لَيْسَ بِمَكَانٍ يُتَبَوَّأُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ (?) [يونس: 71] أَيْ وَادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ، ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا. وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَأَنَّهُ قَالَ: تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَمَوَاضِعَ الْإِيمَانِ. وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ تَبَوَّأَ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَزِمُوا الدَّارَ وَلَزِمُوا الْإِيمَانَ فَلَمْ يُفَارِقُوهُمَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَبَوَّأَ الْإِيمَانَ عَلَى طَرِيقِ الْمَثَلِ، كَمَا تَقُولُ: تَبَوَّأَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ الصَّمِيمَ. وَالتَّبَوُّءُ: التَّمَكُّنُ وَالِاسْتِقْرَارُ. وَلَيْسَ يُرِيدُ أَنَّ الْأَنْصَارَ آمَنُوا قَبْلَ الْمُهَاجِرِينَ، بَلْ أَرَادَ آمَنُوا قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ. الثَّانِيَةُ- وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ هَذِهِ الْآيَةُ مَقْطُوعَةٌ مِمَّا قَبْلَهَا أَوْ مَعْطُوفَةٌ، فَتَأَوَّلَ قَوْمٌ أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ وَأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي فِي الْحَشْرِ كُلَّهَا مَعْطُوفَةٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. وَلَوْ تَأَمَّلُوا ذَلِكَ وَأَنْصَفُوا لَوَجَدُوهُ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى قَوْلِهِ الْفاسِقِينَ [الحشر: 5 - 2] فَأَخْبَرَ عَنْ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ. ثُمَّ قَالَ: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ حِينَ خَلَّوْهُ. وَمَا تَقَدَّمَ فِيهِمْ مِنَ الْقِتَالِ وَقَطْعِ شَجَرِهِمْ فَقَدْ كَانُوا رَجَعُوا عَنْهُ وَانْقَطَعَ ذَلِكَ الْأَمْرُ. ثُمَّ قَالَ: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ معطوف على الأول. وكذا وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ فِي مَدْحِ الْأَنْصَارِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ سَلَّمُوا ذَلِكَ الْفَيْءَ لِلْمُهَاجِرِينَ، وَكَأَنَّهُ قَالَ، الْفَيْءُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ يُحِبُّونَ لهم لم يَحْسُدُوهُمْ عَلَى مَا صَفَا لَهُمْ مِنَ الْفَيْءِ. وكذا وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر: 10] ابْتِدَاءُ كَلَامٍ، وَالْخَبَرُ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا [الحشر: 10]. وقال إسماعيل ابن إسحاق: إن قوله وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالَّذِينَ جاؤُ معطوف على ما قبل، وأنهم