تفسير القرطبي (صفحة 6603)

ماله دِثَارٌ غَيْرَهَا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لِأَحَدِهِمُ الْعَبْدُ وَالزَّوْجَةُ وَالدَّارُ وَالنَّاقَةُ يَحُجُّ عَلَيْهَا وَيَغْزُو فَنَسَبَهُمُ اللَّهُ إِلَى الْفَقْرِ وَجَعَلَ لَهُمْ سَهْمًا فِي الزَّكَاةِ. وَمَعْنَى أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ أَيْ أَخْرَجَهُمْ كُفَّارُ مَكَّةَ، أَيْ أَحْوَجُوهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ، وَكَانُوا مِائَةَ رَجُلٍ. (يَبْتَغُونَ) يَطْلُبُونَ. (فَضْلًا مِنَ اللَّهِ) أَيْ غَنِيمَةً فِي الدُّنْيَا (وَرِضْواناً) فِي الْآخِرَةِ، أَيْ مَرْضَاةَ رَبِّهِمْ. (وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) فِي فِعْلِهِمْ ذَلِكَ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ «1» فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفَرَائِضِ فَلْيَأْتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفِقْهِ فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْمَالِ فَلْيَأْتِنِي، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَنِي لَهُ خَازِنًا وَقَاسِمًا. أَلَا وَإِنِّي بَادٍ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُعْطِيهِنَّ، ثُمَّ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، أَنَا وَأَصْحَابِي أُخْرِجْنَا مِنْ مكة من ديارنا وأموالنا.

[سورة الحشر (59): آية 9]

وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)

فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) لَا خِلَافَ أَنَّ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ هُمُ الْأَنْصَارُ الَّذِينَ اسْتَوْطَنُوا الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهَا. وَالْإِيمانَ نُصِبَ بِفِعْلٍ غَيْرِ تَبَوَّأَ، لِأَنَّ التَّبَوُّءَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَمَاكِنِ. ومِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ صِلَةِ تَبَوَّأَ وَالْمَعْنَى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ مِنْ قِبَلِ الْمُهَاجِرِينَ وَاعْتَقَدُوا الايمان وأخلصوه، لان الايمان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015