الضَّحَّاكُ وَابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ مِنَ الْغُرْمِ، وَالْمُغْرَمُ الَّذِي ذَهَبَ مَالُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَيْ غَرِمْنَا الْحَبَّ الَّذِي بَذَرْنَاهُ. وَقَالَ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ: مُحَاسَبُونَ. (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أَيْ حُرِمْنَا مَا طَلَبْنَا مِنَ الرِّيعِ. وَالْمَحْرُومُ الْمَمْنُوعُ مِنَ الرِّزْقِ. وَالْمَحْرُومُ ضِدُّ الْمَرْزُوقِ وَهُوَ الْمُحَارِفُ فِي قَوْلِ قَتَادَةَ. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِأَرْضِ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: (مَا يَمْنَعُكُمْ مِنَ الْحَرْثِ) قَالُوا: الْجُدُوبَةُ، فَقَالَ: (لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَنَا الزَّارِعُ إِنْ شِئْتُ زَرَعْتُ بِالْمَاءِ وَإِنْ شِئْتُ زَرَعْتُ بِالرِّيحِ وَإِنْ شِئْتُ زَرَعْتُ بِالْبَذْرِ) ثُمَّ تَلَا (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ). قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ وَالْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ مَا يُصَحِّحُ قَوْلَ مَنْ أَدْخَلَ الزَّارِعَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَأَبَاهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي (الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الحسنى).
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (72)
نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) لِتُحْيُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ، وَتُسَكِّنُوا بِهِ عَطَشِكُمْ، لِأَنَّ الشَّرَابَ إِنَّمَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْمَطْعُومِ، وَلِهَذَا جَاءَ الطَّعَامُ مُقَدَّمًا فِي الْآيَةِ قَبْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَسْقِي ضَيْفَكَ بَعْدَ أَنْ تُطْعِمَهُ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَوْ عَكَسْتَ قَعَدْتَ تَحْتَ قَوْلِ أَبِي الْعَلَاءِ:
إِذَا سُقِيَتْ ضُيُوفُ النَّاسِ مَحْضًا ... سَقَوْا أَضْيَافَهُمْ شَبِمًا زُلَالَا «1»
وَسُقِيَ بَعْضُ الْعَرَبِ فَقَالَ: أَنَا لَا أَشْرَبُ إِلَّا عَلَى ثَمِيلَةٍ. (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) أَيِ السَّحَابِ، الْوَاحِدَةُ مُزْنَةٌ، فَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَنَحْنُ كَمَاءِ الْمُزْنِ مَا فِي نصابنا ... كهام ولا فينا يعد بخيل «2»