كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) أَيْ كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ فَكَذَلِكَ كَذَّبَ أُولَئِكَ فَحَلَّ بِهِمُ الْعِقَابُ، ذَكَّرَهُمْ نَبَأَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ وَخَوَّفَهُمْ مَا أَخَذَهُمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَصَصَهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ. (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ. (فَحَقَّ وَعِيدِ) أَيْ فَحَقَّ عَلَيْهِمْ وَعِيدِي وعقابي. قوله تعالى: (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) أَيْ أَفَعَيِينَا بِهِ فَنَعْيَا بِالْبَعْثِ. وَهَذَا تَوْبِيخٌ لِمُنْكِرِي الْبَعْثِ وَجَوَابُ قَوْلِهِمْ: (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ). يُقَالُ: عَيِيتَ بِالْأَمْرِ إِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَجْهَهُ. (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) أَيْ فِي حَيْرَةٍ مِنَ الْبَعْثِ مِنْهُمْ مُصَدِّقٌ وَمِنْهُمْ مُكَذِّبٌ، يُقَالُ: لَبَسَ عليه الامر يلبسه لبسا.
[سورة ق (50): الآيات 16 الى 19]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) يَعْنِي النَّاسَ، وَقِيلَ آدَمُ. (وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) أَيْ مَا يَخْتَلِجُ فِي سِرِّهِ وَقَلْبِهِ وَضَمِيرِهِ، وَفِي هَذَا زَجْرٌ عَنِ الْمَعَاصِي الَّتِي يَسْتَخْفِي بِهَا. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ آدَمُ، فَالَّذِي وَسْوَسَتْ بِهِ نَفْسُهُ هُوَ الْأَكْلُ مِنَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ هُوَ عَامٌّ لِوَلَدِهِ. وَالْوَسْوَسَةُ حَدِيثُ النَّفْسِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ الْخَفِيِّ. قَالَ الْأَعْشَى: