ذرت الريح التراب وغيره تذروه وتذرويه ذَرْوًا وَذَرْيًا أَيْ نَسَفَتْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: ذَرَى النَّاسُ الْحِنْطَةَ، وَأَذْرَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَلْقَيْتُهُ، كَإِلْقَائِكَ الْحَبَّ لِلزَّرْعِ. وَطَعَنَهُ فَأَذْرَاهُ عَنْ ظَهْرِ دَابَّتِهِ، أَيْ أَلْقَاهُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: إِنَّمَا سُمُّوا ذُرِّيَّةً، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَرَأَهَا عَلَى الْأَرْضِ كَمَا ذرأ الزارع البذر. وقيل: أهل ذُرِّيَّةٍ، ذُرُّورَةٌ، لَكِنْ لَمَّا كَثُرَ التَّضْعِيفُ أُبْدِلَ مِنْ إِحْدَى الرَّاءَاتِ يَاءٌ، فَصَارَتْ ذُرُّويَةٌ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ الْوَاوُ فِي الْيَاءِ فَصَارَتْ ذُرِّيَّةً. وَالْمُرَادُ بِالذُّرِّيَّةِ هُنَا الْأَبْنَاءُ خَاصَّةً، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ (?) " يَعْنِي آبَاءَهُمْ. الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ- قوله تعالى:" لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْعَهْدِ، فَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ النُّبُوَّةُ، وَقَالَهُ السُّدِّيُّ. مُجَاهِدٌ: الْإِمَامَةُ. قَتَادَةُ: الْإِيمَانُ. عَطَاءٌ: الرَّحْمَةُ. الضَّحَّاكُ: دِينُ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: عَهْدُهُ أَمْرُهُ. وَيُطْلَقُ الْعَهْدُ عَلَى الْأَمْرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا (?) " أي أمرنا. وقال:" أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ" يَعْنِي أَلَمْ أُقَدِّمْ إِلَيْكُمُ الْأَمْرَ بِهِ، وَإِذَا كَانَ عَهْدُ اللَّهِ هُوَ أَوَامِرُهُ فَقَوْلُهُ:" لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا بِمَحَلِّ مَنْ يُقْبَلُ مِنْهُمْ أَوَامِرُ اللَّهِ وَلَا (?) يُقِيمُونَ عَلَيْهَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا آنِفًا (?) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" قَالَ: لَا ينال عهد لله فِي الْآخِرَةِ الظَّالِمِينَ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ نَالَهُ الظَّالِمُ فَآمَنَ بِهِ، وَأَكَلَ وَعَاشَ وَأَبْصَرَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، أَيْ لَا يَنَالُ أَمَانِي الظَّالِمِينَ، أَيْ لَا أُؤَمِّنُهُمْ مِنْ عَذَابِي. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الظَّالِمُ هُنَا الْمُشْرِكُ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ" لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمُونَ" بِرَفْعِ الظَّالِمُونَ. الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ. وَأَسْكَنَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ الْيَاءَ فِي" عَهْدِي"، وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ. الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ- اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَالْفَضْلِ مَعَ الْقُوَّةِ عَلَى الْقِيَامِ بِذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يُنَازِعُوا الْأَمْرَ أَهْلَهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ (?) مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ. فَأَمَّا أَهْلُ الْفُسُوقِ وَالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ