تفسير القرطبي (صفحة 5781)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ" أَيْ هَذَا تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ وَقَدْ أَنْزَلْنَاهُ بِالْحَقِّ، أَيْ بِالصِّدْقِ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ وَهَزْلٍ." فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً"" مُخْلِصاً" فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى-" مُخْلِصاً" نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ مُوَحِّدًا لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" لَهُ الدِّينَ" أَيِ الطَّاعَةُ. وَقِيلَ: الْعِبَادَةُ وَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ." أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ" أَيِ الذي لا يشوبه شي. وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَتَصَدَّقُ بِالشَّيْءِ. وَأَصْنَعُ الشَّيْءَ أُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَثَنَاءَ النَّاسِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ شَيْئًا شُورِكَ فِيهِ" ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ" وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي" الْبَقَرَةِ" (?) وَ" النِّسَاءِ" (?) وَ" الْكَهْفِ" (?) مُسْتَوْفًى. الثَّانِيَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ عَمَلٍ، وَأَعْظَمُهُ الْوُضُوءُ الَّذِي هُوَ شَطْرُ الْإِيمَانِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ اللَّذَيْنِ يَقُولَانِ إِنَّ الْوُضُوءَ يَكْفِي مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَمَا كَانَ لِيَكُونَ مِنَ الْإِيمَانِ شَطْرًا وَلَا لِيُخْرِجَ الْخَطَايَا مِنْ بَيْنِ الْأَظَافِرِ وَالشَّعْرِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ" يَعْنِي الْأَصْنَامَ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ. أَيْ قَالُوا" مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى" قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ مَنْ رَبُّكُمْ وَخَالِقُكُمْ؟ وَمَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً؟ قَالُوا اللَّهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ مَا مَعْنَى عِبَادَتِكُمُ الْأَصْنَامَ؟ قَالُوا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وَيَشْفَعُوا لَنَا عِنْدَهُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: جواب هذا الكلام في الأحقاف" فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً" [الأحقاف: 28] وَالزُّلْفَى الْقُرْبَةُ، أَيْ لِيُقَرِّبُونَا إِلَيْهِ تَقْرِيبًا، فَوَضَعَ" زُلْفى " فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ. وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ" وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015