يَقُولُونَ:" إِنْ" بِمَعْنَى مَا وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا. وَقِيلَ: مَعْنَى" لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً" أَيْ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ." لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ" أَيْ لَوْ جَاءَنَا ذِكْرٌ كَمَا جَاءَ الْأَوَّلِينَ لَأَخْلَصْنَا الْعِبَادَةَ لِلَّهِ." فَكَفَرُوا بِهِ" أَيْ بِالذِّكْرِ. وَالْفَرَّاءُ يُقَدِّرُهُ عَلَى حَذْفٍ، أَيْ فَجَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذِّكْرِ فَكَفَرُوا بِهِ. وَهَذَا تَعْجِيبٌ مِنْهُمْ، أَيْ فَقَدْ جَاءَهُمْ نَبِيٌّ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ فِيهِ بَيَانُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فَكَفَرُوا وَمَا وَفَّوْا بِمَا قَالُوا." فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" قَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْلَمُونَ مَغَبَّةَ كُفْرِهِمْ.
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ" قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ بِالسَّعَادَةِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْكَلِمَةِ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ:" كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي" [المجادلة: 21] قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يُقْتَلْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّرَائِعِ قَطُّ أَحَدٌ" إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ" أَيْ سَبَقَ الوعد بنصرهم بالحجة والغلبة." إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ"
عَلَى الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ عَلَى اللَّفْظِ لَكَانَ هُوَ الْغَالِبَ مِثْلَ" جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ" [ص: 11]. وقال الشيباني: جاء ها هنا عَلَى الْجَمْعِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَتَوَلَّ عَنْهُمْ" أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ." حَتَّى حِينٍ" قَالَ قَتَادَةُ: إِلَى الْمَوْتِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أُمْهِلُوا إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْقَتْلَ بِبَدْرٍ. وَقِيلَ يَعْنِي فَتْحَ مَكَّةَ. وَقِيلَ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ." وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ" قَالَ قَتَادَةُ: سَوْفَ يُبْصِرُونَ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْإِبْصَارُ. وَعَسَى مِنَ اللَّهِ لِلْوُجُوبِ وَعَبَّرَ بِالْإِبْصَارِ عَنْ تَقْرِيبِ الْأَمْرِ، أَيْ عن قريب يبصرون. وقيل: المعفسوف يُبْصِرُونَ الْعَذَابَ يَوْمَ