تفسير القرطبي (صفحة 5683)

الْمَلَائِكَةُ مِنْ بَيْنِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ أَيْضًا. الْقَائِلُ ذَلِكَ كِنَانَةُ وَخُزَاعَةُ، قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ خَطَبَ إِلَى سَادَاتِ الْجِنِّ فَزَوَّجُوهُ مِنْ سَرَوَاتِ بَنَاتِهِمْ، فَالْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ مِنْ سَرَوَاتِ بَنَاتِ الْجِنِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَشْرَكُوا الشَّيْطَانَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ فَهُوَ النَّسَبُ الَّذِي جَعَلُوهُ. قُلْتُ: قَوْلُ الْحَسَنِ فِي هَذَا أَحْسَنُ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تعالى:" إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ" [الشعراء: 98] أَيْ فِي الْعِبَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ أَيْضًا: هُوَ قَوْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِبْلِيسَ أَخَوَانِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ" أَيِ الْمَلَائِكَةُ" إِنَّهُمْ" يَعْنِي قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ" لَمُحْضَرُونَ" في النار، قال قَتَادَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِلْحِسَابِ. الثَّعْلَبِيُّ: الْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْإِحْضَارَ تَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَلَمْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ الْعَذَابِ." سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" أَيْ تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ." إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ" فَإِنَّهُمْ نَاجُونَ مِنَ النار.

[سورة الصافات (37): الآيات 161 الى 163]

فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (162) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (163)

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ"" مَا" بِمَعْنَى الَّذِي. وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، أَيْ فَإِنَّكُمْ وَعِبَادَتَكُمْ لِهَذِهِ الْأَصْنَامِ. وَقِيلَ: أَيْ فَإِنَّكُمْ مَعَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ. وَجَاءَ فُلَانٌ مَعَ فُلَانٍ." مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى اللَّهِ" بِفاتِنِينَ" بِمُضِلِّينَ. النَّحَّاسُ. أَهْلُ التَّفْسِيرِ مُجْمِعُونَ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى: مَا أَنْتُمْ بِمُضِلِّينَ أَحَدًا إِلَّا مَنْ قَدَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ أَنْ يَضِلَّ: وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَرَدَّ بِنِعْمَتِهِ كَيْدَهُ ... وعليه وَكَانَ لَنَا فَاتِنَا

أَيْ مُضِلًّا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015