" مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ" [لقمان: 28]، وَقَالَ:" يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ" [القمر: 7]، وفي" سائل سائل": [المعارج: 1] " يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ" [المعارج: 43] أَيْ يُسْرِعُونَ. وَفِي الْخَبَرِ: شَكَوْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّعْفَ فَقَالَ:" عَلَيْكُمْ بِالنَّسْلِ" أَيْ بِالْإِسْرَاعِ فِي الْمَشْيِ فَإِنَّهُ يُنَشِّطُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالُوا يَا وَيْلَنا) قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ:" يَا وَيْلَنا" وَقْفٌ حَسَنٌ ثُمَّ تَبْتَدِئُ" مَنْ بَعَثَنا" وروي عن بعض القراء" يَا وَيْلنَا مِنْ بَعْثِنَا" بِكَسْرِ مِنْ وَالثَّاءِ مِنَ الْبَعْثِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ:" يَا وَيْلَنا" حَتَّى يَقُولَ:" مِنْ مَرْقَدِنا". وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ" مَنْ هَبَّنَا" بِالْوَصْلِ" مِنْ مَرْقَدِنا" فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ الْعَامَّةِ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: قَرَأَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى:" قَالُوا يَا وَيْلَتَنَا" بِزِيَادَةِ تاء وهو تأنيث الوصل، ومثله:" يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ" [هود: 72]. وَقَرَأَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ" يَا وَيْلَتَا مِنْ بَعْثِنَا" فَ" مِنْ" مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَيْلِ أَوْ حال من" وَيْلَتى " فَتَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: يَا وَيْلَتَا كَائِنًا مِنْ بَعْثِنَا، وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُ كَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْهُ. و" الرَّحْمنِ" مِنْ قَوْلِهِ:" مِنْ مَرْقَدِنا" مُتَعَلِّقَةٌ بِنَفْسِ الْبَعْثِ. ثُمَّ قِيلَ: كَيْفَ قَالُوا هَذَا وَهُمْ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: يَنَامُونَ نَوْمَةً. وَفِي رِوَايَةٍ فَيَقُولُونَ: يا ويلنا مَنْ أَهَبَّنَا مِنْ مَرْقَدِنَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: لَا يُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ" أهبنا" من لفظ القرآن كما قال مَنْ طَعَنَ فِي الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّهُ تَفْسِيرُ" بَعَثَنا" أَوْ مُعَبِّرٌ عَنْ بَعْضِ مَعَانِيهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَذَا حَفِظْتُهُ" مَنْ هَبَّنَا" بِغَيْرِ أَلِفٍ فِي أَهَبَّنَا مَعَ تَسْكِينِ نُونِ مَنْ. وَالصَّوَابُ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ اللُّغَةِ" مَنَ اهَبَّنَا" بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى أَنَّ فَتْحَةَ هَمْزَةِ أَهَبَّ أُلْقِيَتْ عَلَى نُونِ" مَنْ" وَأُسْقِطَتِ الْهَمْزَةُ، كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ: مَنَ اخْبَرَكَ مَنَ اعْلَمَكَ؟ وَهُمْ يُرِيدُونَ مَنْ أَخْبَرَكَ. وَيُقَالُ: أَهَبَبْتُ النَّائِمَ فَهَبَّ النَّائِمُ. أَنْشَدَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى النَّحْوِيُّ:
وَعَاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُومُنِي ... وَلَمْ يَعْتَمِرْنِي قَبْلَ ذَاكَ عَذُولُ
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: إِذَا نُفِخَ النَّفْخَةُ الْأُولَى رُفِعَ الْعَذَابُ عَنْ أَهْلِ الْقُبُورِ وَهَجَعُوا هَجْعَةً إِلَى النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَذَلِكَ قولهم:" من بعثنا من مرقدنا" وقال ابن