تفسير القرطبي (صفحة 5588)

فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ سَنَةً الْأُولَى يُمِيتُ اللَّهُ بِهَا كُلَّ حَيٍّ وَالْأُخْرَى يُحْيِي اللَّهُ بِهَا كُلَّ مَيِّتٍ". وَقَالَ قَتَادَةُ: الصُّورُ جَمْعُ صُورَةٍ، أَيْ نُفِخَ فِي الصور الأرواح. وصورة وصور مثل سورة، قَالَ الْعَجَّاجُ:

وَرُبَّ ذِي سُرَادِقٍ مَحْجُورِ ... سِرْتُ إِلَيْهِ فِي أَعَالِي السُّورِ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَرَأَ" وَنُفِخَ فِي الصُّورِ". النَّحَّاسُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ" الصُّورَ" بِإِسْكَانِ الْوَاوِ. الْقَرْنُ، جَاءَ بِذَلِكَ التَّوْقِيفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. أَنْشَدَ أَهْلُ اللُّغَةِ:

نَحْنُ نَطَحْنَاهُمْ غَدَاةَ الْغُورَيْنِ ... بِالضَّابِحَاتِ فِي غُبَارِ النَّقْعَيْنِ

نَطْحًا شَدِيدًا لَا كَنَطْحِ الصُّورَيْنِ

وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" الْأَنْعَامِ" (?) مُسْتَوْفًى." فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ" أَيِ القبور. وقرى بِالْفَاءِ" مِنَ الْأَجْدَافِ" ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. يُقَالُ جَدَثٌ وَجَدَفٌ. وَاللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْجَدَثُ بِالثَّاءِ وَالْجَمْعُ أَجْدُثٌ وَأَجْدَاثٌ، قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الْهُذَلِيُّ:

عَرَفْتُ بِأَجْدُثٍ فَنِعَافِ عِرْقٍ ... عَلَامَاتٍ كَتَحْبِيرِ النِّمَاطِ

وَاجْتَدَثَ أَيِ اتَّخَذَ جَدَثًا." إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ" أَيْ يَخْرُجُونَ، قَالَهُ ابن عباس وقتادة. ومنه قول امرى الْقَيْسِ:

فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِي

وَمِنْهُ قِيلَ لِلْوَلَدِ نَسْلٌ، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ. وَقِيلَ: يُسْرِعُونَ. وَالنَّسَلَانُ وَالْعَسَلَانُ الْإِسْرَاعُ فِي السَّيْرِ، وَمِنْهُ مِشْيَةُ الذِّئْبِ، قَالَ (?):

عَسَلَانَ الذِّئْبِ أمسى قاربا ... وبرد اللَّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ

يُقَالُ: عَسَلَ الذِّئْبُ وَنَسَلَ، يَعْسِلُ وَيَنْسِلُ، مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ. وَيُقَالُ: يَنْسُلُ بِالضَّمِّ أَيْضًا. وَهُوَ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ، فالمعنى يخرجون مسرعين. وفى التنزيل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015