تفسير القرطبي (صفحة 5499)

وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ" عَلَّامُ الْغُيُوبِ" عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ، أَيْ قُلْ إِنَّ رَبِّي عَلَّامُ الْغُيُوبِ يَقْذِفُ بِالْحَقِّ. قَالَ الزَّجَّاجُ. وَالرَّفْعُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ رَفْعٍ، أَوْ عَلَى الْبَدَلِ مِمَّا فِي يَقْذِفُ. النَّحَّاسُ: وَفِي الرَّفْعِ وَجْهَانِ آخَرَانِ: يَكُونُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَيَكُونُ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ. وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الرَّفْعَ فِي مِثْلِ هَذَا أَكْثَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا أَتَى بَعْدَ خَبَرِ" إِنَّ" وَمِثْلُهُ" إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ «1» النَّارِ" [ص: 64] وقرى:" الْغُيُوبِ" بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ، فَالْغُيُوبُ كَالْبُيُوتِ «2»، وَالْغَيُوبُ كَالصَّبُورِ، وهو الامر الذي غاب وخفي جدا.

[سورة سبإ (34): آية 49]

قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (49)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ جاءَ الْحَقُّ) قَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: يُرِيدُ الْقُرْآنَ. النَّحَّاسُ: وَالتَّقْدِيرُ جَاءَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَيِ الْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ الْبَرَاهِينُ وَالْحُجَجُ. (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ) قَالَ قَتَادَةُ: الشَّيْطَانُ، أَيْ مَا يَخْلُقُ الشَّيْطَانُ أَحَدًا (وَما يُعِيدُ) فَ"- مَا" نَفْيٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ استفهاما بمعنى أي شي، أي جاء الحق فأي شي بقي للباطل حتى يعيده ويبديه أي فلم يبق منه شي، كقوله:" فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ" «3» [الحاقة: 8] أي لا ترى.

[سورة سبإ (34): آية 50]

قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ قَالُوا تَرَكْتَ دِينَ آبَائِكَ فَضَلَلْتَ. فَقَالَ لَهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنْ ضَلَلْتُ كَمَا تَزْعُمُونَ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" ضَلَلْتُ" بِفَتْحِ اللَّامِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَغَيْرُهُ:" قُلْ إِنْ ضَلِلْتُ" بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الضَّادِ مِنْ" أَضَلُّ"، وَالضَّلَالُ وَالضَّلَالَةُ ضِدُّ الرَّشَادِ. وَقَدْ ضللت (بفتح اللام) أضل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015