تفسير القرطبي (صفحة 5384)

فَلَا تَنْسَ تَسْبِيحَ الضُّحَى إِنَّ يُوسُفًا ... دَعَا رَبَّهُ فَاخْتَارَهُ حِينَ سَبَّحَا

وَقِيلَ: الْمُرَادُ صَلُّوا لِلَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى تَسْبِيحًا. وَخُصَ الْفَجْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالتَّحْرِيضِ عَلَيْهَا، لِاتِّصَالِهَا بِأَطْرَافِ اللَّيْلِ «1». وَقَالَ قَتَادَةُ وَالطَّبَرِيُّ: الْإِشَارَةُ إِلَى صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ. وَالْأَصِيلُ: الْعَشِيُّ وَجَمْعُهُ أَصَائِلُ. وَالْأُصُلُ بِمَعْنَى الْأَصِيلِ، وَجَمْعُهُ آصَالٌ، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أُصُلُ جَمْعُ أَصِيلٍ، كَرَغِيفٍ وَرُغُفٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ «2». مَسْأَلَةٌ- هَذِهِ الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ، فَلَا تَعَلُّقَ بِهَا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الصَّلَاةَ إِنَّمَا فُرِضَتْ أَوَّلًا صَلَاتَيْنِ، فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ. وَالرِّوَايَةُ بِذَلِكَ ضَعِيفَةٌ فَلَا الْتِفَاتَ إليها ولا معول عليها. وقد مَضَى الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فِي" سُبْحَانَ" «3» وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

[سورة الأحزاب (33): آية 43]

هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَ" إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ" [الأحزاب: 56] قَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ: هَذَا لَكَ يَا رَسُولَ الله خاصة، وليس لنا فيه شي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. قُلْتُ: وَهَذِهِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ، وَدَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا «4» عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ. وَقَدْ قَالَ:" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" «5» [آل عمران: 110]. وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ هِيَ رَحْمَتُهُ لَهُ وَبَرَكَتُهُ لَدَيْهِ. وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ: دُعَاؤُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَاسْتِغْفَارُهُمْ لَهُمْ، كَمَا قَالَ:" وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا" «6» [غافر: 7] وَسَيَأْتِي. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلُوا موسى عليه السلام: أيصلي ربك عز وجل؟ فأعظم ذلك، فأوحى الله عز وجل:" إِنَّ صَلَاتِي بِأَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي" ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَرَوَتْ فِرْقَةٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015