فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِالِاقْتِصَادِ، إِلْحَادٌ عِنْدِي، وَتَطَرُّقٌ خَبِيثٌ إِلَى تَشْوِيشِ عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي خَتْمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّبُوَّةَ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْهُ! وَاللَّهُ الْهَادِي بِرَحْمَتِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ). قَالَ أَبُو عُمَرَ: يَعْنِي الرُّؤْيَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْهَا، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ). وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ" مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ نَبِيًّا خَتَمَ النَّبِيِّينَ". قَالَ الرُّمَّانِيُّ: خُتِمَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الِاسْتِصْلَاحُ، فَمَنْ لَمْ يَصْلُحْ بِهِ فَمَيْئُوسٌ مِنْ صَلَاحِهِ. قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ. مِنْهَا وَيَقُولُونَ لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ! - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ جِئْتُ فَخَتَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ (. وَنَحْوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، غَيْرَ أَنَّهُ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَنْ يَذْكُرُوهُ وَيَشْكُرُوهُ، وَيُكْثِرُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ. وَجَعَلَ تَعَالَى ذَلِكَ دُونَ حَدٍّ لِسُهُولَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ. وَلِعِظَمِ الْأَجْرِ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُعْذَرْ أَحَدٌ فِي تَرْكِ ذِكْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ. وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ حَتَّى يَقُولُوا مَجْنُونٌ). وَقِيلَ: الذِّكْرُ الْكَثِيرُ مَا جَرَى عَلَى الْإِخْلَاصِ مِنَ الْقَلْبِ، وَالْقَلِيلُ مَا يَقَعُ عَلَى حُكْمِ النفاق كالذكر باللسان.
[سورة الأحزاب (33): آية 42]
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)
أَيِ اشْغَلُوا أَلْسِنَتَكُمْ فِي مُعْظَمِ أَحْوَالِكُمْ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ يَقُولُهُنَّ الطَّاهِرُ وَالْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ. وَقِيلَ: ادْعُوهُ. قَالَ جَرِيرٌ: