تفسير القرطبي (صفحة 5260)

وَحُسْنِ الْيَقِينِ وَمَا يَدْفَعُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ مِنَ الْآفَاتِ. وَقَدْ سَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذَا أَقْوَالًا تِسْعَةَ، كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى هَذَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي (الْحَجِّ) «1» وَغَيْرِهَا. نَزَلَتْ فِي يَهُودِيٍّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ رَبِّكَ، من أي شي هُوَ؟ فَجَاءَتْ صَاعِقَةٌ فَأَخَذَتْهُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" الرَّعْدِ" «2». وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ." يُجادِلُ" يُخَاصِمُ (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أَيْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ (وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أَيْ نَيِّرٍ بَيِّنٍ، إِلَّا الشَّيْطَانُ فِيمَا يُلْقِي إِلَيْهِمْ." وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ" «3» [الانعام: 121] وَإِلَّا تَقْلِيدَ الْأَسْلَافِ كَمَا فِي الْآيَةِ بَعْدُ. (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) يتبعونه.

[سورة لقمان (31): آية 22]

وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ) أَيْ يُخْلِصُ عِبَادَتَهُ وَقَصْدَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. (وَهُوَ مُحْسِنٌ) لِأَنَّ الْعِبَادَةَ مِنْ غَيْرِ إِحْسَانٍ وَلَا مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ لَا تَنْفَعُ، نَظِيرُهُ:" وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ" «4» [طه: 112]. وَفِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ). (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" «5». وَقَدْ قَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالسُّلَمِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ:" وَمَنْ يُسْلِمْ". النَّحَّاسُ: وَ" يُسْلِمُ" فِي هَذَا أَعْرَفُ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:" فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ" «6» [آل عمران: 20] وَمَعْنَى:" أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ" قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَكُونُ" يُسَلِّمُ" عَلَى التَّكْثِيرِ، إلا أن المستعمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015