تفسير القرطبي (صفحة 4533)

أَيْ مَا لَاقَتْ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَهُوَ كَثِيرٌ. وقال الفراء: سمعت أعرابيا وسألته عن شي فَقَالَ: أَرْجُو بِذَاكَ، أَيْ أَرْجُو ذَاكَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ ... وَأَسْفَلُهُ بِالْمَرْخِ وَالشَّبَهَانِ «1»

أَيِ الْمَرْخُ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: دَخَلَتِ الْبَاءُ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِأَنْ يُلْحِدَ، وَالْبَاءُ مَعَ أَنْ تَدْخُلُ وَتُحْذَفُ. وَيَجُوزُ أن يكون التقدير: ومن برد النَّاسَ فِيهِ بِإِلْحَادٍ. وَهَذَا الْإِلْحَادُ وَالظُّلْمُ يَجْمَعُ جميع الْمَعَاصِيَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الصَّغَائِرِ، فَلِعِظَمِ حُرْمَةِ الْمَكَانِ تَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نِيَّةِ السَّيِّئَةِ فِيهِ. وَمَنْ نَوَى سَيِّئَةً وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ يُحَاسَبْ عَلَيْهَا إِلَّا فِي مَكَّةَ. هَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ ذكرناه آنفا.

[سورة الحج (22): آية 26]

وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) أَيْ وَاذْكُرْ إِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ، يُقَالُ: بَوَّأْتُهُ مَنْزِلًا وَبَوَّأْتُ لَهُ. كَمَا يُقَالُ: مَكَّنْتُكَ وَمَكَّنْتُ لَكَ، فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ:" لِإِبْراهِيمَ" صِلَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، كَقَوْلِهِ:" رَدِفَ لَكُمْ" «2» [النمل: 72]، وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ. وَقِيلَ:" بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ" أَيْ أَرَيْنَاهُ أَصْلَهُ لِيَبْنِيَهُ، وَكَانَ قَدْ دَرَسَ بِالطُّوفَانِ وَغَيْرِهِ، فَلَمَّا جَاءَتْ مُدَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُ اللَّهُ بِبُنْيَانِهِ، فَجَاءَ إِلَى مَوْضِعِهِ وَجَعَلَ يَطْلُبُ أَثَرًا، فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا فَكَشَفَتْ عَنْ أَسَاسِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَرَتَّبَ قَوَاعِدَهُ عَلَيْهِ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي" الْبَقَرَةِ" «3». وَقِيلَ:" بَوَّأْنا 10: 93" نَازِلَةٌ مَنْزِلَةَ فِعْلٍ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ، كَنَحْوِ جَعَلْنَا، أَيْ جَعَلْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ مُبَوَّأً. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

كَمْ مِنْ أَخٍ لِي ماجد ... بوأته بيدي لحدا»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015