تفسير القرطبي (صفحة 4532)

فِي الْحِلِّ وَالْآخَرُ فِي الْحَرَمِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاتِبَ أَهْلَهُ عَاتَبَهُمْ فِي الْحِلِّ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَّى فِي الْحَرَمِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّ مِنَ الْإِلْحَادِ فِي الْحَرَمِ أَنْ نَقُولَ كَلَّا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ، وَالْمَعَاصِي تُضَاعَفُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ، فَتَكُونُ الْمَعْصِيَةُ مَعْصِيَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا بِنَفْسِ الْمُخَالَفَةِ وَالثَّانِيَةُ بِإِسْقَاطِ حُرْمَةِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَهَكَذَا الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ سَوَاءٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (احْتِكَارُ الطَّعَامِ فِي الْحَرَمِ إِلْحَادٌ فِيهِ). وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَالْعُمُومُ يَأْتِي عَلَى هَذَا كُلِّهِ. السَّادِسَةُ- ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنْهُمُ الضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يُعَاقَبُ عَلَى مَا يَنْوِيهِ مِنَ الْمَعَاصِي بِمَكَّةَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهُ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالُوا: لَوْ هَمَّ رَجُلٌ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِهَذَا الْبَيْتِ وَهُوَ (بِعَدَنِ أَبْيَنَ) (?) لَعَذَّبَهُ اللَّهُ. قُلْتُ: هَذَا صَحِيحٌ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ" ن وَالْقَلَمِ" [القلم: 1] مُبَيَّنًا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (?) هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. السَّابِعَةُ- الْبَاءُ فِي" بِإِلْحادٍ" زَائِدَةٌ كَزِيَادَتِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ 20" (?) [المؤمنون: 20]، وَعَلَيْهِ حَمَلُوا قَوْلَ الشَّاعِرِ:

نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أَصْحَابُ الْفَلَجْ (?) ... نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَنَرْجُو بِالْفَرَجْ

أَرَادَ: نَرْجُو الْفَرَجَ. وَقَالَ الْأَعْشَى:

ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيَالِنَا أرماحنا

أي رزق. وَقَالَ آخَرُ (?):

أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي ... بِمَا لاقت لبون بني زياد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015