عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيْ سَوَّاهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ، قَالَهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي كِتَابِ الْعَرَائِسِ: فَقَالَ مُوسَى لِلْخَضِرِ:" لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً" أَيْ طَعَامًا نأكله، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَكَذَلِكَ مَا وُصِفَ مِنْ أَحْوَالِ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ كُلُّهَا أُمُورٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ، هَذَا إِذَا تَنَزَّلْنَا عَلَى أَنَّهُ وَلِيٌّ لَا نبي. وقول تعالى:" وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي" [الكهف: 82] يَدُلُّ عَلَيَّ نُبُوَّتِهِ وَأَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ بِالتَّكْلِيفِ (?) وَالْأَحْكَامِ، كَمَا أُوحِيَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّامِنَةُ- واجب على الإنسان ألا يتعرض للجلوس تحث جِدَارٍ مَائِلٍ يَخَافُ سُقُوطَهُ، بَلْ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ إِذَا كَانَ مَارًّا عَلَيْهِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ بِطِرْبَالٍ مَائِلٍ فَلْيُسْرِعِ الْمَشْيَ). قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: الطِّرْبَالُ شَبِيهٌ بِالْمَنْظَرَةِ مِنْ مَنَاظِرِ الْعَجَمِ كَهَيْئَةِ الصَّوْمَعَةِ، وَالْبِنَاءِ الْمُرْتَفِعِ، قَالَ جَرِيرٌ:
أَلْوَى (?) بِهَا شَذْبُ الْعُرُوقِ مُشَذَّبٌ ... فَكَأَنَّمَا وَكَنَتْ عَلَى طِرْبَالِ
يُقَالُ مِنْهُ: وَكَنَ يَكِنُ إِذَا جَلَسَ، وَفِي الصِّحَاحِ: الطِّرْبَالُ الْقِطْعَةُ الْعَالِيَةُ مِنَ الْجِدَارِ، وَالصَّخْرَةُ الْعَظِيمَةُ الْمُشْرِفَةُ مِنَ الْجَبَلِ، وَطَرَابِيلُ الشَّامِ صَوَامِعُهَا. وَيُقَالُ: طَرْبَلَ بَوْلَهُ إِذَا مَدَّهُ إِلَى فَوْقَ. التَّاسِعَةُ- كَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ ثَابِتَةٌ، عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ، وَالْآيَاتُ الْمُتَوَاتِرَةُ وَلَا ينكرها إلا المبتدع الْجَاحِدُ، أَوِ الْفَاسِقُ الْحَائِدُ، فَالْآيَاتُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ مَرْيَمَ مِنْ ظُهُورِ الْفَوَاكِهِ الشِّتْوِيَّةِ فِي الصَّيْفِ، وَالصَّيْفِيَّةِ فِي الشِّتَاءِ- عَلَى مَا تَقَدَّمَ- وَمَا ظَهَرَ عَلَى يَدِهَا حَيْثُ أَمَرَتِ النَّخْلَةَ وَكَانَتْ يَابِسَةً فَأَثْمَرَتْ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِنَبِيَّةٍ، عَلَى الْخِلَافِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهَا مَا ظَهَرَ عَلَى يَدِ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ خَرْقِ السَّفِينَةِ، وَقَتْلِ الْغُلَامِ، وَإِقَامَةِ الْجِدَارِ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ كَانَ نَبِيًّا، لِأَنَّ إِثْبَاتَ النُّبُوَّةِ لَا يَجُوزُ بِأَخْبَارِ