إِذَا غَطَّاهُ الْغَيْمُ وَالْغَيْنُ مِثْلُ الْغَيْمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي). قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: غِينَ عَلَيْهِ: غُطِّيَ عَلَيْهِ. وَالْغَيْنُ: شَجَرٌ مُلْتَفٌّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْغَمَامُ السَّحَابُ الْأَبْيَضُ. وَفَعَلَ هَذَا بِهِمْ لِيَقِيَهُمْ حَرَّ الشَّمْسِ نَهَارًا وَيَنْجَلِي فِي آخِرِهِ لِيَسْتَضِيئُوا بِالْقَمَرِ لَيْلًا. وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ هَذَا جَرَى فِي التِّيهِ بَيْنَ مِصْرَ وَالشَّامِ لَمَّا امْتَنَعُوا مِنْ دُخُولِ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ وَقِتَالِهِمْ وَقَالُوا لِمُوسَى" فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا" (?) [المائدة: 42]. فَعُوقِبُوا فِي ذَلِكَ الْفَحْصِ (?) أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي خَمْسَةِ فَرَاسِخَ أَوْ سِتَّةٍ. رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَمْشُونَ النَّهَارَ كُلَّهُ وَيَنْزِلُونَ لِلْمَبِيتِ فَيُصْبِحُونَ حيت كانوا بكرة أمس. وإذا كَانُوا بِأَجْمَعِهِمْ فِي التِّيهِ قَالُوا لِمُوسَى: مَنْ لَنَا بِالطَّعَامِ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى. قَالُوا: مَنْ لَنَا مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ! فَظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ. قَالُوا: فَبِمَ نَسْتَصْبِحُ! فَضَرَبَ لَهُمْ عَمُودَ نُورٍ فِي وَسَطِ مَحِلَّتِهِمْ وَذَكَرَ مَكِّيٌّ عَمُودٌ مِنْ نَارٍ. قَالُوا مَنْ لَنَا بِالْمَاءِ! فَأَمَرَ مُوسَى بِضَرْبِ الْحَجَرِ قَالُوا مَنْ لَنَا بِاللِّبَاسِ! فَأُعْطُوا أَلَّا يَبْلَى لَهُمْ ثَوْبٌ وَلَا يَخْلَقَ وَلَا يَدْرَنَ وَأَنْ تَنْمُوَ صِغَارُهَا حَسَبَ نُمُوِّ الصِّبْيَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) اخْتُلِفَ فِي الْمَنِّ مَا هُوَ وَتَعْيِينُهُ عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ التَّرَّنْجَبِينُ (?) - بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَسْكِينِ النُّونِ ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ وَيُقَالُ الطَّرَّنْجَبِينُ بِالطَّاءِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ وَقِيلَ صَمْغَةٌ حُلْوَةٌ وَقِيلَ عَسَلٌ: وَقِيلَ شَرَابٌ حُلْوٌ. وَقِيلَ: خُبْزُ الرِّقَاقِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ. وَقِيلَ:" الْمَنُّ" مَصْدَرٌ يَعُمُّ جَمِيعَ مَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وَلَا زَرْعٍ وَمِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ (الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ) فِي رِوَايَةٍ (مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَمْأَةَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي التِّيهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا شَبَّهَهَا بِالْمَنِّ لِأَنَّهُ لَا مَئُونَةَ فِيهَا بِبَذْرٍ وَلَا سَقْيٍ وَلَا عِلَاجٍ فَهِيَ مِنْهُ أَيْ مِنْ جِنْسٍ مَنِّ