تفسير القرطبي (صفحة 3839)

أي السقم والبلاء والقحط. فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ أَيْ تَضِجُّونَ بِالدُّعَاءِ. يُقَالُ: جَأَرَ يَجْأَرُ جُؤَارًا. وَالْجُؤَارُ مِثْلُ الْخُوَارِ، يُقَالُ: جَأَرَ الثَّوْرُ يَجْأَرُ، أَيْ صَاحَ. وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ" عِجْلًا جَسَدًا لَهُ جُؤَارٌ «1» "، حَكَاهُ الْأَخْفَشُ. وَجَأَرَ الرَّجُلُ إِلَى اللَّهِ، أَيْ تَضَرَّعَ بِالدُّعَاءِ. وَقَالَ الْأَعْشَى «2» يَصِفُ بَقَرَةً:

فَطَافَتْ ثَلَاثًا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ... وَكَانَ النَّكِيرُ أَنْ تُضِيفَ «3» وَتَجْأَرَا

(ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ) أَيِ الْبَلَاءَ وَالسَّقَمَ. (إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) بَعْدَ إِزَالَةِ الْبَلَاءِ وَبَعْدَ الْجُؤَارِ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ التَّعْجِيبُ مِنَ الْإِشْرَاكِ بَعْدَ النَّجَاةِ مِنَ الْهَلَاكِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُكَرَّرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْأَنْعَامِ «4» وَيُونُسَ «5» "، وَيَأْتِي فِي" سبحان" وغيرها. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا خَاصٌّ بِمَنْ كَفَرَ. (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) أَيْ لِيَجْحَدُوا نِعْمَةَ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ مِنْ كَشْفِ الضُّرِّ وَالْبَلَاءِ. أَيْ أَشْرَكُوا لِيَجْحَدُوا، فَاللَّامُ لَامُ كَيْ. وَقِيلَ لَامُ الْعَاقِبَةِ. وَقِيلَ:" لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ" أَيْ لِيَجْعَلُوا النِّعْمَةَ سَبَبًا لِلْكُفْرِ، وَكُلُّ هَذَا فِعْلٌ خَبِيثٌ، كَمَا قَالَ:

وَالْكُفْرُ مَخْبَثَةٌ لِنَفْسِ الْمُنْعِمِ «6»

(فَتَمَتَّعُوا) أَمْرُ تَهْدِيدٍ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ" قُلْ تمتعوا". (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أي عاقبة أمركم.

[سورة النحل (16): آية 56]

وَيَجْعَلُونَ لِما لَا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَجْعَلُونَ لِما لَا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) ذَكَرَ نَوْعًا آخَرَ مِنْ جَهَالَتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ- وَهِيَ الْأَصْنَامُ- شَيْئًا من أموالهم يتقربون به إليه، قال مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا. فَ" يَعْلَمُونَ" عَلَى هَذَا للمشركين. وقيل هي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015