تفسير القرطبي (صفحة 3838)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) الدين: الطاعة والإخلاص. و" واصِباً" معناه دائما، قال الْفَرَّاءُ، حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَصَبَ الشَّيْءُ يَصِبُ وُصُوبًا، أَيْ دَامَ. وَوَصَبَ الرَّجُلُ عَلَى الْأَمْرِ إِذَا وَاظَبَ عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى: طَاعَةُ اللَّهِ وَاجِبَةٌ أَبَدًا. وَمِمَّنْ قَالَ وَاصِبًا دَائِمًا: الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ «1» " أي دائم. وقال الدولي:

لا أبتغى الحمد القليل بقاؤه ... بدم يَكُونُ الدَّهْرَ أَجْمَعَ وَاصِبًا

أَنْشَدَ الْغَزْنَوِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُمَا:

مَا أَبْتَغِي الْحَمْدَ الْقَلِيلَ بَقَاؤُهُ ... يَوْمًا بِذَمِّ الدَّهْرِ أَجْمَعَ وَاصِبَا

وَقِيلَ: الْوَصَبُ التَّعَبُ وَالْإِعْيَاءُ، أَيْ تَجِبُ طَاعَةُ اللَّهِ وَإِنْ تَعِبَ الْعَبْدُ فِيهَا. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لَا يُمْسِكُ السَّاقَ مِنْ أَيْنٍ وَلَا وَصَبٍ ... وَلَا يَعَضُّ عَلَى شُرْسُوفِهِ الصُّفْرُ «2»

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" واصِباً" وَاجِبًا. الْفَرَّاءُ وَالْكَلْبِيُّ: خَالِصًا. (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ) أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَتَّقُوا غَيْرَ اللَّهِ." فَغَيْرَ" نصب ب" تَتَّقُونَ".

[سورة النحل (16): الآيات 53 الى 55]

وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) قَالَ الْفَرَّاءُ." مَا" بِمَعْنَى الْجَزَاءِ. وَالْبَاءُ فِي" بِكُمْ" مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، تَقْدِيرُهُ: وَمَا يَكُنْ بِكُمْ." مِنْ نِعْمَةٍ" أَيْ صِحَّةِ جِسْمٍ وَسَعَةِ رِزْقٍ وَوَلَدٍ فَمِنَ اللَّهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله هي. (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015