مِثْلَ مَا أَنْزَلْنَا بِالْمُقْتَسِمِينَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ، أَيْ مِنَ الْعَذَابِ وَكَفَيْنَاكَ المستهزئين، فاصدع بما تؤمر وأعرض عن وقيل الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَغَوْا، فَإِنَّا كَفَيْنَاكَ أُولَئِكَ الرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ كُنْتَ تَلْقَى مِنْهُمْ مَا تَلْقَى. وَاخْتُلِفَ فِي" الْمُقْتَسِمِينَ" عَلَى أَقْوَالٍ سَبْعَةٍ: الْأَوَّلُ- قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْفَرَّاءُ: هُمْ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا بَعَثَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ فَاقْتَسَمُوا أَعْقَابَ «1» مَكَّةَ وَأَنْقَابَهَا وَفِجَاجَهَا يَقُولُونَ لِمَنْ سَلَكَهَا: لَا تَغْتَرُّوا بِهَذَا الْخَارِجِ فِينَا يَدَّعِي النُّبُوَّةَ، فَإِنَّهُ مَجْنُونٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا سَاحِرٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا شَاعِرٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا كَاهِنٌ. وَسُمُّوا الْمُقْتَسِمِينَ لِأَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا هَذِهِ الطُّرُقَ، فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ شَرَّ مِيتَةٍ، وَكَانُوا نَصَّبُوا الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ حَكَمًا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا سَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: صَدَقَ أُولَئِكَ. الثَّانِي- قَالَ قَتَادَةُ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ اقْتَسَمُوا كِتَابَ اللَّهِ فَجَعَلُوا بَعْضَهُ شِعْرًا، وَبَعْضَهُ سِحْرًا، وَبَعْضَهُ كِهَانَةً، وَبَعْضَهُ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ. الثَّالِثُ- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ آمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَةُ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَسُمُّوا مُقْتَسِمِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَهْزِئِينَ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ السُّورَةُ لِي وَهَذِهِ السُّورَةُ لَكَ. وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّابِعُ. الْخَامِسُ- قَالَ قَتَادَةُ: قَسَّمُوا كِتَابَهُمْ فَفَرَّقُوهُ وَبَدَّدُوهُ وَحَرَّفُوهُ. السَّادِسُ- قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْمُرَادُ قَوْمُ صَالِحٍ، تَقَاسَمُوا عَلَى قَتْلِهِ فَسُمُّوا مُقْتَسِمِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ»
". السَّابِعُ- قَالَ الْأَخْفَشُ: هُمْ قَوْمٌ اقْتَسَمُوا أَيْمَانًا تَحَالَفُوا عَلَيْهَا. وَقِيلَ: إِنَّهُمُ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ ومنبه بن الحجاج، ذكره الماوردي.
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)
هَذِهِ صِفَةُ الْمُقْتَسِمِينَ. وقيل: هو مبتدأ وخبره" لَنَسْئَلَنَّهُمْ". وَوَاحِدُ الْعِضِينَ عِضَةٌ، مِنْ عَضَّيْتُ الشَّيْءَ تَعْضِيَةً أَيْ فَرَّقْتُهُ، وَكُلُّ فِرْقَةٍ عِضَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كانت في الأصل