الْجَوَابِ وَسَكَتَ: قَدْ رَدَّ يَدَهُ فِي فِيهِ. وَقَالَهُ الْأَخْفَشُ أَيْضًا. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: لَمْ نَسْمَعْ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ: رَدَّ يَدَهُ فِي فيه إذا ترك ما أمر به، وقاله المغني: عَضُّوا عَلَى الْأَيْدِي حَنَقًا وَغَيْظًا، لِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
تَرُدُّونَ فِي فِيهِ غِشَّ الْحَسُو ... دِ حَتَّى يَعَضَّ عَلَيَّ الْأَكُفَّا
يَعْنِي أَنَّهُمْ يَغِيظُونَ الْحَسُودَ حَتَّى يَعَضَّ عَلَى أَصَابِعِهِ وَكَفَّيْهِ. وَقَالَ آخَرُ:
قد أفني أنامل أَزْمَةً «1» ... فَأَضْحَى يَعَضُّ عَلَيَّ الْوَظِيفَا
وَقَالُوا:- يَعْنِي الأمم للرسل: (إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أَيْ بِالْإِرْسَالِ عَلَى زَعْمِكُمْ، لَا أَنَّهُمْ أَقَرُّوا أَنَّهُمْ أُرْسِلُوا. (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ) أَيْ فِي رَيْبٍ وَمِرْيَةٍ. (مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ) مِنَ التَّوْحِيدِ. (مُرِيبٍ) أَيْ مُوجِبٌ لِلرِّيبَةِ، يُقَالُ: أَرَبْتُهُ إِذْ فَعَلْتُ أَمْرًا أَوْجَبَ رِيبَةً وَشَكًّا، أَيْ نَظُنُّ أَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ الملك والدنيا.
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ) اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ، أَيْ لَا شَكَّ فِي اللَّهِ، أَيْ فِي تَوْحِيدِهِ، قَالَ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: فِي طَاعَتِهِ. وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا: أَفِي قُدْرَةِ اللَّهِ شَكٌّ؟! لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهَا وَمُخْتَلِفُونَ فِيمَا عَدَاهَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خَالِقِهَا وَمُخْتَرِعِهَا وَمُنْشِئِهَا وَمُوجِدِهَا بَعْدَ الْعَدَمِ، لِيُنَبِّهَ عَلَى قُدْرَتِهِ فَلَا تَجُوزُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ. (يَدْعُوكُمْ) أَيْ إِلَى طَاعَتِهِ بِالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ. (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:" مِنْ" زَائِدَةٌ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هِيَ لِلتَّبْعِيضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يذكر البعض والمراد منه الجميع.