تفسير القرطبي (صفحة 3683)

أَبًا لَا يُعْرَفُونَ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ حِينَ يَقْرَأُ:" لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ". كَذَبَ النَّسَّابُونَ. (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أَيْ بِالْحُجَجِ وَالدِّلَالَاتِ. (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) أَيْ جَعَلَ أُولَئِكَ الْقَوْمُ أَيْدِيَ أَنْفُسِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ لِيَعَضُّوهَا غَيْظًا (?) مِمَّا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ، إِذْ كَانَ فِيهِ تسفيه أحلامهم، وشتم أصنامهم، قاله بن مَسْعُودٍ، وَمِثْلُهُ قَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، وقرا:" عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ" (?) [آل عمران: 119]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ عَجِبُوا وَرَجَعُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: كَانُوا إِذَا قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهمْ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ أَشَارُوا بِأَصَابِعِهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ: أَنِ اسْكُتْ، تَكْذِيبًا لَهُ، وَرَدًّا لِقَوْلِهِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى. وَالضَّمِيرَانِ لِلْكُفَّارِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّهَا إِسْنَادًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ [عَنْ (?)] عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ" قَالَ: عَضُّوا عَلَيْهَا غَيْظًا، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

لَوْ أَنَّ سَلْمَى أَبْصَرَتْ تَخَدُّدِي (?) ... وَدِقَّةً فِي عَظْمِ سَاقِي وَيَدِي

وَبُعْدَ أَهْلِي وَجَفَاءَ عُوَّدِي ... عضت من الوجد بأطراف اليد

ود مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي" آلِ عِمْرَانَ" (?) مُجَوَّدًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: رَدُّوا عَلَى الرُّسُلِ قَوْلَهُمْ وَكَذَّبُوهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، فَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلرُّسُلِ، وَالثَّانِي لِلْكُفَّارِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ: جَعَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِ الرُّسُلِ رَدًّا لِقَوْلِهِمْ، فَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا لِلْكُفَّارِ، وَالثَّانِي لِلرُّسُلِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أومأوا لِلرُّسُلِ أَنْ يَسْكُتُوا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَخَذُوا أَيْدِيَ الرُّسُلِ وَوَضَعُوهَا عَلَى أَفْوَاهِ الرُّسُلِ لِيُسْكِتُوهُمْ وَيَقْطَعُوا كَلَامَهُمْ. وَقِيلَ: رَدَّ الرُّسُلُ أَيْدِيَ الْقَوْمِ فِي أَفْوَاهِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الْأَيْدِيَ هُنَا النِّعَمُ، أَيْ رَدُّوا نِعَمَ الرُّسُلِ بِأَفْوَاهِهِمْ، أَيْ بِالنُّطْقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَمَجِيءُ الرُّسُلِ بِالشَّرَائِعِ نِعَمٌ، وَالْمَعْنَى: كَذَّبُوا بِأَفْوَاهِهِمْ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ. وَ" فِي" بِمَعْنَى الْبَاءِ، يُقَالُ: جَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ وَبِالْبَيْتِ، وَحُرُوفُ الصِّفَاتِ يُقَامُ بَعْضُهَا مَقَامَ بَعْضٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ، أَيْ لَمْ يُؤْمِنُوا وَلَمْ يُجِيبُوا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَمْسَكَ عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015