تفسير القرطبي (صفحة 3666)

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ الْآخَرُ: إِنِّي أَصُومُ الدَّهْرَ فَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إِلَيْهِمْ] (?) فَقَالَ:" أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي". خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ، وَهَذَا أَبْيَنُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: أَرَادَ عُثْمَانُ أَنْ يَتَبَتَّلَ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ لاختصينا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" آلِ عِمْرَانَ" (?) الْحَضُّ عَلَى طَلَبِ الْوَلَدِ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ جَهِلَ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه كان يقول: إني لا تزوج الْمَرْأَةَ وَمَا لِي فِيهَا مِنْ حَاجَةٍ، وَأَطَؤُهَا وَمَا أَشْتَهِيهَا، قِيلَ لَهُ: وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: حُبِّي أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنِّي مَنْ يُكَاثِرُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيِّينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ:" عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا وَأَحْسَنُ أَخْلَاقًا وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا وَإِنِّي مُكَاثِرٌ بكم الأمم يوم القيامة" يعني بقول:" أَنْتَقُ أَرْحَامًا" أَقْبَلُ لِلْوَلَدِ، وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ الْكَثِيرَةِ الْوَلَدُ نَاتِقٌ، لِأَنَّهَا تَرْمِي بِالْأَوْلَادِ رَمْيًا. وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ" لَا" ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ:" تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ". صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ وَحَسْبُكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) عَادَ الْكَلَامُ إِلَى مَا اقْتَرَحُوا مِنَ الْآيَاتِ- مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ- فَأَنْزَلَ [اللَّهُ (?)] ذَلِكَ فِيهِمْ، وَظَاهِرُ الْكَلَامِ حَظْرٌ وَمَعْنَاهُ النَّفْيُ، لِأَنَّهُ لا يحظر على أحد ما لا يقدر عَلَيْهِ. (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) أَيْ لِكُلِّ أَمْرٍ قضاه الله كتاب عند الله، قال الْحَسَنُ. وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، الْمَعْنَى: لِكُلِّ كتاب أجل، قال الفراء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015