مِنَ الْأَحْكَامِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْحُكْمِ الْعَرَبِيِّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَيَحْكُمُ." (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) " أَيْ أَهْوَاءَ الْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ مَا دُونَ اللَّهِ، وَفِي التَّوْجِيهِ إِلَى غير الكعبة. (بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ) أَيْ نَاصِرٍ يَنْصُرُكَ. (وَلا واقٍ) يَمْنَعُكَ مِنْ عَذَابِهِ، وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ الأمة.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قِيلَ: إِنَّ الْيَهُودَ عَابُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَزْوَاجَ، وَعَيَّرَتْهُ بِذَلِكَ وَقَالُوا: مَا نَرَى لِهَذَا الرَّجُلِ هِمَّةً إِلَّا النِّسَاءَ وَالنِّكَاحَ، وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا لَشَغَلَهُ أَمْرُ النُّبُوَّةِ عَنِ النِّسَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هذه والآية، وَذَكَّرَهُمْ أَمْرَ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ فَقَالَ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) أي جعلناهم بشرا يقضون مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا التَّخْصِيصُ فِي الْوَحْيِ. الثَّانِيَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ وَالْحَضِّ عَلَيْهِ، وَتَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ، وَهُوَ تَرْكُ النِّكَاحِ، وَهَذِهِ سُنَّةُ الْمُرْسَلِينَ كَمَا نَصَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ، وَالسُّنَّةُ وَارِدَةٌ بِمَعْنَاهَا، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ) الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" آلِ عِمْرَانَ" «1» وَقَالَ: (مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ نِصْفَ الدِّينِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي) «2». وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ يُعِفُّ عن الزني، وَالْعَفَافُ أَحَدُ الْخَصْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ضَمِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا الْجَنَّةَ فَقَالَ:" مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَتَيْنِ وَلَجَ الْجَنَّةَ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ" خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأُ وَغَيْرُهُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: (جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النبي