تفسير القرطبي (صفحة 3055)

الْحَرَمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ" (?) [الاسراء: 1]. وَإِنَّمَا رُفِعَ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يَقْرَبُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُشْرِكٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ جِزْيَةٍ أَوْ عَبْدًا كَافِرًا لِمُسْلِمٍ. وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَقْرُبُ الْمَسْجِدَ مُشْرِكٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَيَدْخُلُهُ لِحَاجَةٍ). وَبِهَذَا قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَالَ: الْعُمُومُ يَمْنَعُ الْمُشْرِكَ عَنْ قُرْبَانِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) فيه قولان: أحد هما- أَنَّهُ سَنَةَ تِسْعٍ الَّتِي حَجَّ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ. الثَّانِي- سَنَةَ عَشْرٍ قَالَهُ قَتَادَةُ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ:" وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يُعْطِيهِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَإِنَّ مِنَ الْعَجَبِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَهُوَ الْعَامُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْأَذَانُ. وَلَوْ دَخَلَ غُلَامُ رَجُلٍ دَارَهُ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: لَا تَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ بَعْدَ يَوْمِكَ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ الْيَوْمَ الَّذِي دَخَلَ فيه". الخامسة- قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) قَالَ عَمْرُو بْنُ فَائِدٍ: الْمَعْنَى وَإِذْ خِفْتُمْ. وَهَذِهِ عُجْمَةٌ، وَالْمَعْنَى بَارِعٌ بِ"- إِنْ". وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ لَمَّا مَنَعُوا الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْمَوْسِمِ وَهُمْ كَانُوا يَجْلِبُونَ الْأَطْعِمَةَ وَالتِّجَارَاتِ، قَذَفَ الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمُ الْخَوْفَ مِنَ الْفَقْرِ وَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ نَعِيشُ. فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُغْنِيَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَابَ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ" [التوبة: 29] الْآيَةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَغْنَاهُمُ اللَّهُ بِإِدْرَارِ الْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ وَخِصْبِ الْأَرْضِ. فَأَخْصَبَتْ تَبَالَةُ (?) وَجُرَشُ وَحَمَلُوا إِلَى مَكَّةَ الطَّعَامَ وَالْوَدَكَ (?) وَكَثُرَ الْخَيْرُ. وَأَسْلَمَتِ الْعَرَبُ: أَهْلُ نَجْدٍ وَصَنْعَاءَ وَغَيْرُهُمْ فَتَمَادَى حَجُّهُمْ وَتَجْرُهُمْ. وَأَغْنَى اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ بِالْجِهَادِ وَالظُّهُورِ عَلَى الْأُمَمِ. وَالْعَيْلَةُ: الْفَقْرُ. يُقَالُ: عَالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ إِذَا افْتَقَرَ. قَالَ الشَّاعِرِ (?):

وَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ ... وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يعيل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015