تفسير القرطبي (صفحة 221)

وَعَمِهٌ: حَائِرٌ مُتَرَدِّدٌ، وَجَمْعُهُ عُمْهٌ. وَذَهَبَتْ إِبِلُهُ الْعُمَّهَى إِذَا لَمْ يَدْرِ أَيْنَ ذَهَبَتْ. وَالْعَمَى فِي الْعَيْنِ، وَالْعَمَهُ فِي الْقَلْبِ وَفِي التَّنْزِيلِ:" فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ «1» " [الحج: 46]

[سورة البقرة (?): آية 16]

أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) قَالَ سِيبَوَيْهِ: ضُمَّتِ الْوَاوُ فِي" اشْتَرَوُا" فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَاوِ الْأَصْلِيَّةِ، نَحْوَ:" وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ". [الجن: 16]. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الضَّمَّةُ فِي الْوَاوِ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِهَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: حُرِّكَتْ بِالضَّمِّ كَمَا فُعِلَ فِي" نَحْنُ". وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ «2» بِكَسْرِ الْوَاوِ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ قَعْنَبٍ أَبِي السِّمَالِ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِ الْوَاوِ لِخِفَّةِ الْفَتْحَةِ وَإِنْ كَانَ «3» مَا قَبْلَهَا مَفْتُوحًا. وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ هَمْزَ الْوَاوِ وَضَمَّهَا كَأَدْؤُرٍ. وَاشْتَرَوْا: مِنَ الشِّرَاءِ. وَالشِّرَاءُ هُنَا مُسْتَعَارٌ. وَالْمَعْنَى اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ، كما قال:" فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى " [فصلت: 17] فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشِّرَاءِ، لِأَنَّ الشِّرَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يُحِبُّهُ مُشْتَرِيهِ. فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى شِرَاءِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا، لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فَيَبِيعُونَ إِيمَانَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخَذُوا الضَّلَالَةَ وَتَرَكُوا الْهُدَى. وَمَعْنَاهُ اسْتَبْدَلُوا وَاخْتَارُوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ. وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ تَوَسُّعًا، لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَالتِّجَارَةَ رَاجِعَانِ إِلَى الِاسْتِبْدَالِ، وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنِ اسْتَبْدَلَ شَيْئًا بِشَيْءٍ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

فَإِنْ تَزْعُمِينِي كُنْتُ أَجْهَلُ فِيكُمْ ... فَإِنِّي شَرَيْتُ «4» الْحِلْمَ بَعْدَكِ بِالْجَهْلِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015