تفسير القرطبي (صفحة 1766)

وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالثَّوْرِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَدَاوُدُ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِ الْعَبْدِ، فَمَرَّةً قَالَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي نَفْيِ الْعَبْدِ، وَمَرَّةً قَالَ: يُنْفَى نِصْفَ سَنَةٍ، وَمَرَّةً قَالَ: يُنْفَى سَنَةً إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ. وَاخْتَلَفَ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي نَفْيِ الْأَمَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُنْفَى الرَّجُلُ وَلَا تُنْفَى الْمَرْأَةُ وَلَا الْعَبْدُ، وَمَنْ نُفِيَ حُبِسَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُنْفَى إِلَيْهِ. وَيُنْفَى مِنْ مِصْرَ إِلَى الْحِجَازِ (?) وَشَغْبٍ وَأُسْوَانَ وَنَحْوِهَا، وَمِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى خَيْبَرَ وَفَدَكَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَنَفَى عَلِيٌّ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَقَلُّ ذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَانَ أَصْلُ النَّفْيِ أن نبي إِسْمَاعِيلَ (?) أَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ غُرِّبَ مِنْهُ، فَصَارَتْ سُنَّةً فِيهِمْ يَدِينُونَ بِهَا، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ اسْتَنَّ النَّاسُ إِذَا أَحْدَثَ أَحَدٌ حَدَثًا غُرِّبَ عَنْ بَلَدِهِ، وَتَمَادَى ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَأَقَرَّهُ فِي الزِّنَا خَاصَّةً. احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ النَّفْيَ عَلَى الْعَبْدِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَمَةِ، وَلِأَنَّ تَغْرِيبَهُ عُقُوبَةٌ لِمَالِكِهِ تَمْنَعُهُ مِنْ مَنَافِعِهِ فِي مُدَّةِ تَغْرِيبِهِ، وَلَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ تَصَرُّفَ الشَّرْعِ، فَلَا يُعَاقَبُ غَيْرُ الْجَانِي. وَأَيْضًا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْجُمُعَةُ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَجْلِ السَّيِّدِ، فَكَذَلِكَ التَّغْرِيبُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَرْأَةُ إِذَا غُرِّبَتْ رُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِوُقُوعِهَا فِيمَا أُخْرِجَتْ مِنْ سَبَبِهِ وَهُوَ الْفَاحِشَةُ، وَفِي التَّغْرِيبِ سَبَبٌ لِكَشْفِ عَوْرَتِهَا وَتَضْيِيعٌ لِحَالِهَا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُهَا مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا وَأَنَّ صَلَاتَهَا فِيهِ أَفْضَلُ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْرُوا النِّسَاءَ يَلْزَمْنَ الْحِجَالَ) (?) فَحَصَلَ مِنْ هَذَا تَخْصِيصُ عُمُومِ حَدِيثِ التَّغْرِيبِ بِالْمَصْلَحَةِ الْمَشْهُودِ لَهَا بِالِاعْتِبَارِ. وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَالنُّظَّارِ. وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ فَقَالَتْ: يُجْمَعُ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ عَلَى الشَّيْخِ، وَيُجْلَدُ الشَّابُّ، تَمَسُّكًا بِلَفْظِ (الشَّيْخِ) فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ) خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ (?). وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ قَدْ سَمَّاهُ فِي الْحَدِيثِ الآخر (الثيب).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015