يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:57].
قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) يعني: مقتضى إيمانكم حفظ تعظيم دينكم، فإن كنتم مؤمنين فعظموا دينكم، ومن علامة التعظيم أن لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً أولياء، فكيف توالون الذين يسخرون من دينكم ويهزءون ويسبون نبيكم ويطعنون في دينكم؟! فإن كنتم مؤمنين فعظموا دينكم، فمقتضى إيمانكم أن تحفظوا هذا التعظيم للدين.
وانظر إلى كلمة (دينكم) بالإضافة، أي: الذي به انتظام معاشكم ومعادكم، وهو مناط سعادتكم الأبدية، وسبب قربكم من ربكم.
وتأمل كلمة (دينكم)، فأنت من غير هذا الدين لا تساوي شيئاً، وكل وزنك وقدرك عند الله عز وجل ناشئ عن تشرفك واعتزازك بانتسابك لهذا الدين، فالله تعالى يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً))، أي: هؤلاء الذين يشتمون دينكم الذي هو سبب عزكم وشرفكم.
وقوله: ((هُزُوًا)) أي: شيئاً مستخفاً ((وَلَعِبًا)) سخرية وضحكاً، ومبالغة في الاستخفاف به، حتى لعبوا بعقول أهله، ثم بين المستهزئين وفصل أمرهم، فمن هم هؤلاء الذين يتخذون ديننا هزواً ولعباً؟ قال تعالى: ((مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)) أي: اليهود والنصارى ((وَالْكُفَّارَ)) قرئ بالنصب والجر، ويعني بذلك المشركين، ولذلك كانت قراءة ابن مسعود: (ومن الذين أشركوا).
((أَوْلِيَاءَ)) في العون والنصرة، وإنما رتب النهي على وصف اتخاذهم الدين (هزواً ولعباً) تنبيهاً على العلة، وإيذاناً بأن من هذا شأنه جدير بالبغضاء والشنآن والمنابذة، فكيف بالموالاة؟! إنه يستحق أن تبغضه؛ لأنه يسخر من دينك، وأن تبتعد عنه، وأن تجانبه، وأن تنبذه، فكيف تتخذه ولياً وحميماً وصديقاً؟! قال تعالى: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ)) يعني: بترك موالاتهم ((إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)) حقاً؛ فإن قضية الإيمان توجب الاتقاء لا محالة.