هذه القضية في غاية الأهمية، وهي أخطر قضية عُرفت في الوجود كله، وهي عملية إزالة الحد الفاصل بين الإسلام والكفر، وهي الآن تجري على قدم وساق، وهذا أخطر خطر يتعرض له الإسلام، وهذه القضية تعرض لها العلامة الجليل الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتاب له يسمى: (الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان) والشيخ بكر أبو زيد حفظه الله تعالى رجل مبدع في كتاباته، فإنه يغوص في أعماق الأسفار، ويخرج لنا من بطونها هذه الكنوز، فأي كتاب عليه اسم الشيخ بكر أبو زيد فلابد أن يشترى، فهو لا يؤلف في موضوع إلا وقد أتقنه، فلابد أنك سوف تستفيد منه، فهذا الكتاب ناقش فيه هذه القضية بالتفصيل نقاشاً رائعاً جداً، وفصل فيها تفصيلاً رائعاً، ففي هذا الدرس نقتنص منه بعض الأشياء، وقد جعل غالبه في ذكر المصدر التاريخي لهذه النظرية، فذكر أن هذه هي نظرية اليهود والنصارى لسحب المسلمين عن الإسلام، وهذه المؤامرة يراد منها الخلط بين الأديان، وأن المسلمين يخرجون من الملة، ويزحفون من الإسلام إلى ضلال اليهود والنصارى، وهذا من تدابيرهم الكيدية ومواقفهم العدائية للإسلام والمسلمين، ففي عصر النبي صلى الله عليه وسلم كانت محاولتهم دائبة لإضلال المسلمين عن إسلامهم، وردهم إلى الكفر، يقول تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:109].
وقال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:111 - 112].
وقال تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة:135].
فشاء الله سبحانه وتعالى أن تبقى هذه الآيات على مر الزمن تتلى في المحاريب؛ حتى لا يغيب هذا الكيد عن قلوب المؤمنين.
والمرحلة الثانية: مرحلة الدعوة إليها بعد انصرام القرون المفضلة، وهذا كان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فلما انصرمت القرون المفضلة وجاءت القرون التي بعدها جاءت الدعوة لإخراج المسلمين من إسلامهم تحت اسم: الاتحاد والحلول، وذلك على أيدي ملاحدة المتصوفة في مصر والشام وفارس وأقاليم العجم وهكذا الرافضة، حتى بلغ الحال أن بعض هؤلاء الملاحدة يجيز التهود والتنصر! بل إن فيهم من يرجح دين اليهود والنصارى على دين الإسلام!! وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كان له مواقف في الرد على هؤلاء الغلاة مثل الحلاج الحسين بن منصور الفارسي المقتول على الردة سنة (309هـ)، وابن عربي: محمد بن علي الطائي قدوة القائلين بوحدة الوجود كما في كتابه (الفصوص)، وابن سبعين والتلمساني وابن هند وغيرهم كثير، والملاحدة أعداء الإسلام يحاولون ويجتهدون الآن في أن يعيدوا تراثهم، وهذه وصية أيضاً لإضعاف انتماء المسلمين إلى الإسلام، والهدف هو إخراج المسلمين من الإسلام، وليس من المهم أن يتهودوا أو يتنصروا، فهذا غير ممكن، وهم عاجزون عنه أصلاً، لكن يهمهم إخراج المسلم عن إسلامه، فمن الصور التي فيها إخراج عن الإسلام قول: إن الذي يعبد أي شيء هو أصلاً ما عبد إلّا الله، كما يقول الخبيث ابن عربي: العبد رب والرب عبد فليت شعري من المكلف إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب أنى يكلف أستغفر الله، انظر إلى هذا الكفر، ويقول: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة ويعتبر ابن عربي أن أكبرَ موحدَينِ في الدين هما: محمد عليه السلام، وإبليس لعنه الله، فهذا الشرك والضلال كله كان الهدف منه إخراج المسلمين من دين الإسلام، وبعضهم الآن يؤلف الكتب في الحلاج، ويعمل المسرحيات وكل الضلالات، ويتكلمون في الوهابيين بحجة أنهم هم الذين قتلوا الحلاج، ويظهرون الحلاج بأنه كان رجلاً مظلوماً إلى آخر هذا الكلام، وذلك كله من أجل أن يعيدوا هذا التراث العفن، سواء كان هذا التراث لـ كمال مصطفى، أو لـ ابن عربي، أو للحلاج أو لـ ابن سبعين، أو للتلمساني، أو لـ ابن هند.
وأيضاً مرحلة الدعوة إليها في النصف الأول من القرن الرابع عشر، فهذه الدعوة جمدت في وقت من الأوقات، ثم عادت من جديد تحت اسم جديد وهو الماسونية، وهي منظمة يهودية هدفها السيطرة على العالم، ونشر الإلحاد والإباحية تحت غطاء الدعوة إلى وحدة الأديان، ونفي التعصب، وأن كل الناس مؤمنون بالله تعالى، وقد دخل في دعوتهم وتورط فيها رجل شيعي أصلاً، وهو المسمى بـ جمال الدين الأفغاني، وهو شيعي إيراني وليس أفغانياً.
وتلطخ بها أيضاً زعيم الطائفة ميرزا محمد باقر الإيراني، فدخل في جمعية التقريب بين الأديان الثلاثة، ودخل فيها بعض الإيرانيين، وبعض الإنكليز، وبعض اليهود.
وأما مرحلة الدعوة وهي في العصر الحاضر في الرُّبع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري، وذلك في ظل النظام العالمي الجديد، فظهر اليهود والنصارى بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم وبين المسلمين، وبعبارة أخرى: التوحيد بين الموسوية والعيسوية والمحمدية، ونحن نؤمن بمحمد وعيسى وموسى عليه السلام جميعاً، بل لو كفر مسلم بأحد هؤلاء الأنبياء لخرج من الملة تماماً، ولكان مشركاً كافراً مرتداً، فنحن نؤمن بالأنبياء ونعظمهم، لكن لا على ما يزعم هؤلاء.
فالدعوة إذاً أخذت صورة الدعوة للتقريب بين الأديان، ونبذ التعصب الديني، ثم اسم الإخاء الديني، ومجمع الأديان واسم الصداقة الإسلامية النصرانية، التضامن الإسلامي النصراني ضد الشيوعية، ثم خرجت من بعد شعارات وحدة الأديان: توحيد الأديان الإبراهيمية، والوحدة الإبراهيمية، ووحدة الدين الإلهي، والمؤمنون المتحدون، والناس المتحدون، والديانة العالمية، والتعايش بين الأديان الملية العالمية، وتوحيد الأديان، ووحدة الكتب السماوية، وآخر ما وصلوا إليه: الإعلان عن فكرة طبع القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد مع بعض، ثم دخلت في الحياة التعبدية العملية، فدعا ما يسمى بالبابا إلى إقامة صلاة مشتركة بين ممثلي الأديان الثلاثة: الإسلاميين والكتابيين في قرية أسيس في إيطاليا، وأقيمت الصلاة جماعة في تاريخ (27/ 10/1986م) ثم تكرر هذا الحدث مرات أخرى باسم صلاة روح القدس، لكن يا تُرى إلى أي قبلة اتجهوا؟!! وفي أي مكان صلوا؟!! وما يتبع ذلك من الأساليب البارعة للاستدلال ولفت الأنظار إليها، والالتفاف حولها، كالتلويح بالسلام العالمي، ونشر الطمأنينة والسعادة الإنسانية والإخاء والفضيلة والمساواة والبر والإحسان، وهذه مثل شعارات الدعوة إلى الحرية والإخاء والمساواة أو السلام والرحمة والإنسانية.
أيضاً: فالدعوة الروحية الحديثة قائمة على تحضير الأرواح: روح المسلم واليهودي والنصراني والبوذي وغيرهم، وكل هذه دعاوى طغيانية هدامة.