قال الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5 - 6].
قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، إشارة إلى أن الذي منحه صلى الله عليه وسلم من شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر بعد ضيق الأمر، واستحكام حلقات الكرب في أول السير، كان على ما جرت به سنته تعالى في هذا النوع من الخليقة، وهو أن مع العسر يسراً، ولهذا وصل العبارة بالفاء التي هي لبيان السبب، فَإِنَّ سببية.
و (أل) في قوله: (العسر) للاستغراق، يعني: مع كل عسر.
ولكنه استغراق بالمعهود عند المخاطبين من أفراده وأنواعه، فهو العسر الذي يعرض من الفقر والضعف، ودهن الصديق وقوة العدو وقلة الوسائل إلى المطلوب، ونحو ذلك مما هو معهود ومعروف.
فهذه الأنواع من العسر مهما اشتدت، وكانت النفس حريصة على الخروج منها ظافرة لكثرة شدتها، واستعملت من وسائل الفكر والنظر والعمل ما من شأنه أن يعد لذلك في معروف العقل، واعتصمت بالتوكل على الله، حتى لا تدركها الخيبة لأول مرة.
ولا تضر عزيمتها بما تلاقيه عند الصدمة الأولى، فلا ريب في أن النفس تخرج منها ظافرة، وقد كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ضيق الأمر عليه كان يحمله على الفكر والنظر، حتى آتاه الله ما هو أكبر من ذلك وهو الوحي والنبوة.
ثم لم تكسر مقاومات قومه شيئاً من عزمه، بل ما يزال يلتمس الغنى في الفقر، والقوة في الضعف، حتى أوتي من ذلك ما زعزع أركان الأكاسرة والقياصرة، وترك منه لأمته ما تمتعت به أعصاراً طوالاً.
ثم يذكر القاسمي لطيفة حول تنكير قوله: (يُسْرًا) يقول: فتنكير (يُسْرًا) للتعظيم، والمراد يسر عظيم، وهو يسر الدارين، وفي كلمة (مَعَ) إشعار في غاية سرعة مجيء اليسر، كأنه مقابل للعسر.
يعني: أنها تفهم كما في قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7] يعني: الشدة أولاً، ثم يتبع ذلك الفرج.
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل لعباده الأمل في تفريج الكربات، بأن جعل اليسر مقارناً للعسر وليس قريباً منه.
فاستعير لفظ (مع) بمعنى: بعد.
وقوله تعالى: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) تكرير للتأكيد، أو عظة مستأنفة؛ لأن هذا العسر سيأتي بعده يسر آخر، كثواب الآخرة؛ ولذلك جاء في الأثر: (لن يغلب عسر يسرين).
يقول أبو بكر: (إنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة، يجعل الله بعده فرجاً، وإنه لن يغلب عسر يسرين).
إشارة إلى ما جاء في هذه الآية: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) فالعسر واحد؛ لأنه أتى بـ (أل) أما اليسر فأتى منكراًً فهو يسرين.
فإن المعرف إذا أعيد، يكون الثاني عين الأول، سواء كان معهوداً أو جنساً.
أما اليسر في الآية الأولى وفي الثانية فهو منكر (يُسْرًا) فيكون مغايراً لما أريد بالأول، فلذلك قالوا: لن يغلب عسر يسرين.
يقول الشاعر: إذا اشتد بك العسر ففكر في ألم نشرح فعسر بين يسرين إذا ذكرته فافرح