قال عز وجل: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:7].
أي: غافلاً عما أوحاه إليك من الهدى والفرقان، فهداك إليه وجعلك رسولاً له، كما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} [الشورى:52].
وقال الشهاب: الضلال مستعار من ضل في طريقه إذا سلك طريقاً غير موصلة لمقصده؛ لعدم ما يوصله من علوم نافعة من طريق الاكتساب.
يعني: لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يسلك طريقاً يوصله للعلوم الفكرية التي ينالها الإنسان بالكسب، وإنما كان الذي امتن الله عليه به هو علم وهبي وليس كسبياً؛ لأن النبوة لا تكتسب، والله سبحانه وتعالى امتن على النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الوحي الذي هو العلم الوهبي.
وقال بعضهم: قوله: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) يعني: وجد قومك ضالين فهداهم بك، على تقدير مضاف، كما في قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:82]، يعني: واسأل أهل القرية.
يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في كتاب (دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب) قوله تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) هذه الآية الكريمة يوهم ظاهرها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ضالاً قبل الوحي، مع أن قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] يدل على أنه صلى الله عليه وسلم فطر على هذا الدين الحنيف، ومعلوم أنه لم يهوده أبواه ولم ينصراه ولم يمجساه، بل لم يزل باقياً على الفطرة حتى بعثه الله رسولاً، ويدل لذلك ما ثبت من أن أول نزول الوحي كان وهو يتعبد في غار حراء، فذلك التعبد قبل نزول الوحي دليل على بقائه صلى الله عليه وسلم على الفطرة.
والجواب أن معنى قوله: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)، أي: غافلاً عما تعلمه الآن من الشرائع وأسرار علوم الدين، التي لا تعلم بالفطرة ولا بالعقل، وإنما تعلم بالوحي، فهداك إلى ذلك بما أوحى إليك.
فمعنى الضلال على هذا القول: الذهاب عن العلم.
وفي القرآن الكريم أن الضلال يطلق على الذهاب عن العلم بالنسيان أو نحو ذلك، ومنه قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282]، فقوله: (أن تضل) أي: تذهب عن العلم، ومنه أيضاً قوله تعالى: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:52] يعني: لا يذهب عن العلم، وكذلك قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف:95].
ويقول الشاعر: وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلاً أراها في الضلال تهيم إذاً: قوله تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) يعني: ووجدك غافلاً عن هذا العلم، كما قال تعالى: {وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف:3] أي: قبل القرآن، وقال عز وجل: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:113] وقال عز وجل: {وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص:86].
وبعضهم فسر الضلال في قوله: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) تفسيراً حسياً فقال: هو أنه ضل الطريق وهو صغير في شعاب مكة.
وقيل: ضل الطريق في سفره إلى الشام، والقول الأول هو الصحيح، والله تعالى أعلم.