{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14].
يقول تعالى: ((كَلَّا)) أي: ليست هذه الآيات بأساطير الأولين، بل هي الحق المبين وشفاء لما في الصدور.
قوله: ((بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) أي: غطى على مداركهم ما اكتسبوه من الآثام، حتى كدر جوهرها, وصار صدأً عليها بالمكوث فيها.
أي: إن السبب الذي حال بينهم وبين الإيمان بالحق وبآيات الله مع وضوح البراهين على أنها من عند الله كامن في الظلم؛ لأنهم لكثرة ما ارتكبوا من المعاصي رين على قلوبهم، أي: صار الران يعلو قلوبهم طبقة فوق طبقة حتى أعماها، كما يعلو الصدأ المعدن والحديد حتى يحول بينه وبين اللون الأصلي، فكذلك هذه المعاصي مع تواصلها وإصرارهم عليها وإدمانها ورسوخهم فيها رانت على قلوبهم بما كانوا يكسبون، وبالتالي حصل هذا الغطاء الكثيف على القلب الذي حال دون خروج الكفر منه ودخول الهدى فيه, فهذا هو السبب في ذلك.
والرين أصل معناه الصدأ والوسخ والقار الذي لا يزول بالغسيل، وإنما يلتصق تماماً بالشيء ولا يفارقه.
وشبه به حب المعاصي الراسخة في النفس, وذلك أنه يحصل من تكرار الفعل ملكة راسخة لا تقبل الزوال, وصفة في النفس قارة فيها.
فكذلك هؤلاء من كثرة ما تكررت منهم المعاصي صار لديهم ملكة راسخة لا تقبل الزوال، وصفة في النفس قارة فيها، فلكثرة المعاصي يرسخ حبها في القلب بحيث لا يزول، كالصدأ الذي لا يزول بسهولة.
والران: ما غطى على القلب وركبه من القسوة بسبب الذنب بعد الذنب.
فإدمان المعاصي والإصرار عليها وعدم التوبة منها يفسد القلوب ويغلفها بهذا الران، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليغان على قلبي لولا أني أستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة)، وفي رواية: (مائة مرة).
فهذا الران نشأ من تراكم المعاصي والإصرار عليها، حتى صار ذلك طبقة راسخة لا يستطاع التخلص منها، فيقال: ران عليه الشراب والنعاس.
ران عليه الشراب يعني: غلب على عقله.
وران عليه النعاس.
يعني: غلب أيضاً على عقله.
ونظيره الغين, والمراد هنا ما يتغشى القلب.