يقول تعالى: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} [المعارج:22 - 28].
{إِلَّا الْمُصَلِّينَ} استثنى من الطباع والأخلاق السابقة المصلين، فقال: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:22 - 23] أي: مقيمون لا يضيعون منها شيئاً.
وهذه الآية هي الموضع الوحيد الذي استعمل فيه اسم الفاعل للقيام بالصلاة، في حين أننا نجد في عامة آيات القرآن ذكر إقامة الصلاة، كقوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [المائدة:55]، {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء:103]، {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} [النساء:162].
فغالباً ما تأتي الصلاة بفعل الإقامة، يعني: أداء حقوقها، وأنها ليست مجرد أداء هذه الحركات، إلا أنه جاز هنا أن يؤتى باشتقاق (اسم الفاعل) على أساس أنه قرن بها صفات تفيد نفس معنى إقامة الصلاة، حيث قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} أي: مقيمون لا يضيعون منها شيئاً.
{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24 - 25] السائل هو الذي يسأل الناس ولا يجد مشكلة في أن يسأل، فإن كان مستحقاً فعلاً فهو المقصود بقوله: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} أي أن هذا حق له، وليس منة منك عليه، وإنما هو حقه الذي شرعه الله له في مال الله الذي آتاك.
وهذ الحق أولاً للسائل، فربما سأل السائل صدقة أو معونة أو نحو ذلك، وهو مستحق لذلك، ومن شدة حاجاته يسأل.
النوع الثاني: المحروم، والعطف يقتضي المغايرة، أي: أن المحروم غير السائل، فمن هو المحروم؟ المحروم هو المتعفف الذي أدبرت عنه الدنيا فلا يسأل الناس تعففاً.
وقيل: المحروم الذي لا ينمو له مال.
وقيل: المحروم هو المصاب ثمره.
أي كان عنده مال ثمار أو زروع ثم أصابته جائحة، أخذاً من قول أصحاب الجنة في سورة نون: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [القلم:27] أي: أصبنا في ثمرنا بجائحة.
واللفظ أعم من ذلك كله، فيشمل كل ما يحتمل دخوله في معنى المحروم.
وقد روى ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن الحق المعلوم: أهو الزكاة؟ فقال: إن عليك حقوقاً سوى ذلك.
ومثله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هو سوى الصدقة، يصل بها رحما، أو يقري بها ضيفاً، أو يحمل بها كلاً، أو يعين بها محروماً.
وعن الشعبي أن في المال حقاً سوى الزكاة، وهذه مسألة تفاصيلها في كتب الفقه.
يقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المعارج:26] يعني: يوم الجزاء.
ثم أشار الله تبارك وتعالى إلى أن العبرة في الإيمان باليوم الآخر أن يشفق الإنسان منه، ويثمر هذا التصديق ثمرة عملية وهي الخوف والوجل من عذاب الله، وهذه إشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي أن يهتم بأن يعتقد عقيدة خاوية من العاطفة أو الوجدان أو المشاعر، وإنما الاعتقاد المثمر هو الذي ينعكس في سلوك الإنسان، فلذلك بعدما قال: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} قال: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}.
قال ابن جرير: أي: وجلون أن يعذبهم في الآخرة، فهم من خشية ذلك لا يضيعون له فرضاً ولا يتعدون له حداً.
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} أي: أن ينال من عصاه وخالف أمره.