قال عز وجل: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة:11 - 12].
قوله: ((إنا لما طغى الماء)) أي: كثر وتجاوز حده المعروف؛ بسبب إصرار قوم نوح على الكفر والمعاصي، وتكذيبهم لنوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، والكلام هنا على قوم نوح عليه السلام.
قوله: ((حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ)) أي: السفينة التي تجري في الماء.
قال ابن جرير: خاطب الذين نزل فيهم القرآن، وإنما حمل أجدادهم نوحاً وولده في السفينة، كما قال تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء:3] عليه السلام؛ لأن الذين خوطبوا بذلك أولاد الذين حملوا في الجارية، فكان حمل الذين حملوا بها من الأجداد حملاً لذريتهم؛ لأنهم كانوا في أصلابهم، ولأن نوحاً هو أبو البشر الثاني، وصحيح أن نوحاً كان معه أناس آخرون، لكن غالب الذرية بعد ذلك كانت من ذرية نوح ثم من ذرية إبراهيم عليه السلام.
قوله تعالى: {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً} [الحاقة:12] أي: لنجعل تلك الفعلة التي هي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين تذكرة.
وقال بعض المفسرين: ((لنجعلها)) أي: السفينة ((تذكرة)).
وقال بعض المفسرين: وهذه السفينة رآها أناس من أوائل هذه الأمة على جبل الجودي.
وهناك مجموعة من المكتشفين الإنجليز قاموا بتسجيل شريط فيديو بعد بحث طويل بأجهزة حديثة فيه أن مكان السفينة على قمة جبل الجودي، والذي أثبته هذا البحث من هذه البعثة مخالف لما ورد في التوراة وفي الكتب الأخرى، وما توصلوا إليه كان موافقاً لما صرح به القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:44].
فيحتمل أن يكون معنى قوله تعالى: (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً) أي: أن السفينة تذكرة، أو ((لنجعلها)) أي: تلك الفعلة التي هي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين ((لكم تذكرة)) وعبرة، تذكرون بها صدق وعده في نصر رسله وتدمير أعدائه.
قوله: ((وَتَعِيَهَا)) أي: تحفظها.
((أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)) أي: حافظة لما سمعت عن الله متفكرة فيه.