وهنا ننبه تنبيهاً حول الاستطراد، فنقول: الاستطراد هو التعريض بعيب إنسان بذكر عيب غيره لمتعلق، أو نفي عيب عن نفسه لذكر عيب غيره، مثل قول الله سبحانه وتعالى: {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} [إبراهيم:45] فهنا تعريض بأولئك الذين يسكنون حالياً في مساكنهم، فهذا استطراد، وذلك أنه أتى في حق هؤلاء الذين سكنوها من قبل، مع أن المقصود عين هؤلاء الحاضرين، ومثل قوله تعالى أيضاً: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً} [فصلت:13 - 14] إلى آخره، فما أحسنه من استطراد! ومثله أيضاً قول الله تعالى: {أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} [هود:95].
ومنه في الشعر قول السموأل بن عادياء: وإنا لقوم لا نرى القتل سبة إذا ما رأته عامر وسلول فهو يريد يمدح قبيلته بعيب غيرها.
ثم قال: يقرب حب الموت آجالنا لنا وتكرهه آجالهم فتطول وقال آخر: ولا عيب فينا غير عرق لمعشر كرام وأنا لا نخط على النمل فهذه يريد أن يقول أنا لست مجوسياً؛ لأن المجوس يبيحون زواج المحارم والعياذ بالله، ويزعمون أن الرجل منهم إذا تزوج أخته أو بنته فجاءت منه بولد فإن ذلك الولد إذا خط بيده على داء النملة أبرأته، وهذا من ضلالهم وأساطيرهم، فهذا الرجل يذم هؤلاء ويقول: إني أتبرأ من المجوسية، فيقول: ولا عيب فينا غير عرق لمعشر كرام وأنا لا نخط على النمل أي: العيب الوحيد فينا أن فينا عرق من قوم كرام من آبائنا.
فالاستطراد هو التعريض بعيب إنسان بذكر عيب غيره لمتعلق، والاستطراد في قوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ))، أنه ورد في ذم اليهود، فاستطرد من ذمهم إلى ذم المشركين.