تفسير قوله تعالى: (يوم يبعثهم الله جميعاً)

يقول الله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6].

قوله تعالى: ((أَحْصَاهُ اللَّهُ))، أي: أحاط به علماً ولم يذهب عنه شيء، ((وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ))، أي: رقيب يعلمه ولا يغيب عنه.

وهذه الآية مما ينبغي أن يتدبرها كل مؤمن؛ لأن الإنسان يأتي الذنوب والمعاصي، ثم مع تطاول الأمل ينسى، ولكن الله سبحانه وتعالى لا ينسى: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:52]، فإن الذنوب ينساها الإنسان وهي قد دونت في صحيفته، وسوف يذكر بها يوم القيامة حينما يقول الله سبحانه وتعالى له: أتذكر يوم كذا؟ أتذكر يوم كذا؟ ويقرره بذنوبه، وهذا يقع حتى مع المؤمن، إلا أن من نوقش الحساب عذب، فأما العبد المؤمن فإن الله سبحانه وتعالى يقرره بذنوبه كلها، ويذكره بما نسي منها، حتى إذا أُسقط في يده، وظن أنه هالك لا محالة، يقول الله سبحانه وتعالى: (فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أسترها عليك اليوم)، لكن متى ما نوقش الإنسان في الحساب فهذه أمارة على أنه سوف يعذب.

ولذلك قال الله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:7 - 8]، والحساب اليسير هو عرض الأعمال عليه فقط.

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} [الانشقاق:10 - 11]، يعني: يقول: وا ثبوراه! وا هلاكاه! {وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق:12 - 14].

وقوله تعالى هنا: ((أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ))، هذه تقدمة للإخبار بسعة علم الله تبارك وتعالى؛ لأن هذه الآية تمهيد لما يأتي بعدها من النهي عن النجوى بالإثم تحذيراً وتنفيراً، وقد أكد ذلك بتفصيل علمه عناية بالمنهي عنه والمحذر منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015