قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:63 - 67].
ثم انتقل الاستدلال إلى دليل آخر من أدلة البعث والنشور، فقال عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} [الواقعة:63] يعني: أفرأيتم ما تحرثون الأرض لأجله ((أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)) والهاء في قوله: (تَزْرَعُونَهُ) عائدة على (ما تحرثون) وهل نحن نحرث الأرض أم نحرث الحب؟! نحرث الأرض، لكن من أجل أن نضع فيها الحب، فلذلك نقول في التفسير: أفرأيتم ما تحرثون الأرض لأجله، وهو الحب؟! فقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} أي: هذا الحب.
لأن قائلاً قد يقول: لماذا ذكر الحب؟ فنحن في التفسير نقول: المعنى: أفرأيتم ما تحرثون الأرض لأجله وهو الحب.
ثم أتى السياق يتكلم عن الحب نفسه، فقال تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} والحرث شق الأرض للزراعة وإثارتها وإلقاء البذر فيها.
وقوله تعالى: (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) أي: تنبتونه (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) يعني: أم نحن المنبتون.
وعن بعض السلف أنه كان إذا قرأ هذه الآية وأمثالها يقول: بل أنت -يا رب- الذي تزرع، وأنت الذي تنميه.
(لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا) يعني هذا الزرع، أي: أيبسناه قبل استوائه واستحصاده، وأصل الحطام ما تحطم وتفتت لشدة يبسه وجفافه.
وقوله تعالى: (فَظََلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) أي: تتعجبون من هلاكه ويبسه بعد خضرته.
أي: تندمون على اجتهادكم الذي ضاع فيه.
أو: (تَفَكَّهُونَ) على ما أصبتم لأجله من المعاصي فتتحدثون فيه، والتفكه: التنقل بصنوف الفاكهة، وقد استعير للتنقل بالحديث لأنه ذو شجون.
فالتفكه هنا مقصود به تناقل الحديث في الكلام وفي الحوار.
(إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) يعني: تقولون: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ، فهذا مقول قول مقدر.
ومعنى (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) أي: ملزمون غرامة ما أنفقنا.
أو: مهلكون لهلاك رزقنا.
من الغرام بمعنى الهلاك؛ قال الشاعر: إن يعذب يكن غراماً وإن يعـ ط جزيلاً فإنه لا يبالي ومن الأول قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:65] أي: ملازماً.
ومعنى قوله تعالى: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أي: حرمنا رزقنا.