معنى قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية)

قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} أذى كقمل أو صداع أو أي علة مرضية أدت إلى أن يحلق رأسه وهو محرم، ومعروف أن قص الشعر أو حلقه في أثناء الإحرام من محظورات الإحرام، وفي الأثر المعروف عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فليهرق دماً.

{فَفِدْيَةٌ} يعني: فعليه فدية؛ لأنه حلق {مِنْ صِيَامٍ} يعني: ثلاثة أيام {أَوْ صَدَقَةٍ} ثلاثة آصع من غالب قوت البلد على ستة مساكين {أَوْ نُسُكٍ} أي: ذبح شاة، و (أو) للتخيير، فيختار شيء من هذه الثلاث، وألحق به من حلق لغير عذر؛ لأنه أولى بالكفارة، وكذا من استمتع بغير الحلق كالطيب واللبس والدهن لعذر، فمن تعاطى من هذه الأشياء المحظورة في الإحرام فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك.

وقوله تعالى: ((فَمَنْ تَمَتَّعَ)) أي: استمتع ((بِالْعُمْرَةِ)) أي: بسبب فراغه منها تمتع بمحظورات الإحرام، ويكون الإنسان متمتعاً بأن يؤدي عمرة في أشهر الحج، وهي من أول شوال، فمن أدى العمرة يمكث في الحرم ولا يخرج إلى مسافة قصر، واختلف العلماء إذا خرج مسافراً من مكة ثم عاد مُهلاً بالحج، والراجح أنه مفرد لا متمتع؛ لأنه سافر سفرتين للعمرة وللحج، فمن أدى -مثلاً- عمرة في شوال، ثم رجع إلى مصر، ثم أحرم بالحج من مصر وذهب ليؤدي الحج فهل هذا متمتع؟ لا ليس متمتعاً، وبعض العلماء يقولون: إنه لا ينقض تمتعه إلا إذا عاد إلى الميقات الذي أتى منه أو أي ميقات من المواقيت المعروفة أو إذا سافر مسافة قصر، وهذا أقرب الأقوال، وهو مذهب الإمام أحمد، فإذا خرج من مكة دون مسافة السفر وعاد مهلاً بالحج فلا زال متمتعاً.

قال الراغب: لا يجب الدم أو بدله في التمتع إلا بأربعة شرائط: الأول: إيقاع العمرة في أشهر الحج، والتحلل منها في أشهر الحج.

الثاني: أن يتمم بالحج من سنته، يعني: إذا أدى العمرة، ثم بقي في مكة حتى حج السنة القادمة، فهل هذا متمتع؟ لا، فلابد أن يؤدي العمرة في أشهر الحج.

الثالث: ألا يرجع إلى الميقات لإنشاء الحج.

الرابع: ألا يكون من حاضري المسجد الحرام؛ لأن أهل مكة ليس لهم تمتع، فلو أن رجلاً يعيش في مكة أدى العمرة في أشهر الحج، ثم أهل بالحج في يوم التروية، فهل هو متمتع؟ لا، فأهل مكة ليس لهم تمتع.

وقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} أي: بسبب فراغه من العمرة بمحظورات الإحرام {إِلَى الْحَجِّ} أي: إلى الإحرام به بأن يكون أحرم بها في أشهره ((فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)) وهو شاة يذبحها بعد الإحرام به، ولا بد أن يذبح في يوم النحر؛ لقوله تعالى: ((حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)) والمحل نوعان: محل زماني، ومحل مكاني.

المحل المكاني: هو الحرم، سواء في منى أو في مكة، فالحرم كله منحر يذبح فيه.

المحل الزماني: هو: يوم النحر، فهذا هو المحل الزماني الذي يحل فيه ذبح الأنعام، أما الذبح قبل ذلك فهذا -والله تعالى أعلم- لا يصح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015