ثم لقد شرع عز وجل في وصف هاتين الجنتين فقال تبارك وتعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:48 - 49].
يقول القاسمي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: (ذواتا أفنان) أي: أنواع من الأشجار والثمار على أساس أن أفناناً جمع فن بمعنى النوع، أو ((ذَوَاتَا أَفْنَانٍ)) أي: أغصان لينة جمع فنن وهو ما دق ولان من الغصن.
إذاً: قوله: ((أَفْنَانٍ)) إما جمع فن، وإما جمع فنن، ومن قال: جمع فن فهو على أساس أن الفن يحتوي على النوع، أي: ذواتا أنواع من الأشجار والثمار، ومن قال: جمع فنن فهو على أساس أن الفنن هو ما دق ولان من الغصن.
يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: ((ذَوَاتَا أَفْنَانٍ)) أي: أغصان نضرة حسنة، تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة، ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ))، هكذا قال عطاء الخرساني وجماعة أن الأفنان أغصان الشجر يمس بعضها بعضاً.
قال مجاهد الأفنان: الأغصان واحدها فنن.
والأفنان هذه كلمة يحبها الشعراء جداً، وتراهم يأتون بكلمة الأفنان بمعنى الأغصان، يقول إقبال: والطير صادحة على أفنانها.
يعني: على أغصانها.
ويقول النابغة: أسائلها وقد سفحت دموعي كأن مفيضهن غروب شن بكاء حمامة تدعو هديلاً مفجعة على فنن تغني قوله: (بكاء حمامة) يعني: أبكي بكاء حمامة.
وقال آخر يصف طائرين: باتا على غصن بانٍ في ذرى فنن يرددان لحوناً ذات ألوان (يرددان لحوناً) أي: لغات ذات ألوان.
ويقول الشاعر أيضاً: ما هاج شوقك من هديل حمامة تدعو على فنن الغصون حماما تدعو أبا فرخين صادف طاوياً ذا مخلبين من الصقور قطاما فخلاصة الكلام: أن الأفنان هي الأغصان.
وقيل أيضاً: الأفنان ظل الأغصان على الحيطان.
وقيل: ((ذَوَاتَا أَفْنَانٍ)) ذواتا ألوان، يعني: أن فيهما فنوناً من الملاذ.
وقال عطاء: كل غصن يجمع فنوناً من الفاكهة.
يعني: الغصن الواحد يكون فيه ثمار وألوان كثيرة جداً من الفاكهة، ليس مثل الدنيا يكون في الغصن ثمرة واحدة من نوع واحد.
وقال الربيع بن أنس: ((ذَوَاتَا أَفْنَانٍ)) يعني: واسعتا الفناء.
يقول ابن كثير: وكل هذه الأقوال صحيحة ولا منافاة بينها، والله أعلم.
وقال قتادة: ((ذَوَاتَا أَفْنَانٍ)) يعني: بسعتها وفضلها ومزيتها على ما سواها.
وروي عن أسماء قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سدرة المنتهى فقال: يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة، أو قال: يستظل في ظل الفنن منها مائة راكب، فيها فراش الذهب، كأن ثمرها القلال).