قال تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} يعني: مراعاة حرمة الشهر واجبة مع من راعى حرمة الشهر، وأما من هتكها اقتص منه، فهتك حرمته بهتكه لحرمته، فيقاتلون عند المسجد الحرام إذا قاتلوا فيه، فإن البادئ أظلم.
وقوله: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} القصاص بمعنى المساواة والعدل، فمعنى: (والحرمات قصاص) يعني: متساوية، فلا يفضل شهر حرام على آخر بحيث يمتنع هتك حرمته لهتكهم حرمة ما دونهم، على أنا لا نهتك حرمة الشهر الحرام والمسجد الحرام والحرم، بل نهتك حرمة من هتك حرمة أحدهما؛ لأن هؤلاء المشركين قاتلونا في المسجد الحرام أو قاتلونا في الشهر الحرام فقاتلناهم، فهل معنى ذلك أننا نهتك حرمة الحرم؟! لا، نحن لا نهتك حرمة الحرم، ولا حرمة الشهر، وإنما نهتك حرمة من لم يراع حرمة الحرم ولا حرمة الشهر.
والحرمات: جمع حرمة، وهي ما يحفظ ويرعى ولا ينتهك، والقصاص المساواة، {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} أي: والحرمات ذوات قصاص.
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، هذا أمر بالعدل حتى مع المشركين، يعني: عاقب بقدر الظلم الذي وقع بك، ولا تتجاوزه وإلا كنت ظالماً؛ ولذلك قال: ((فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ))، وذلك لأن الحرمات قصاص كما قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]، وقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40].
((وَاتَّقُوا اللَّهَ)) أي: في هتك حرمة الشهر والمسجد والحرم بدون هتكهم له، واتقوا الله أيضاً بألا تزيدوا في الاعتداء.
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} أي: بالمعونة والنصر والحفظ والتأييد.