قال تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الذاريات:25 - 30].
قوله: ((إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ)) أي: سلام عليكم.
((قَوْمٌ مُنكَرُونَ)) أي: أنتم قوم لا أعرفكم.
وهذا كالسؤال منه عن أحوالهم ليعرفهم، فإن قولك لمن لقيته: أنا لا أعرفك عرفني نفسك وصفها.
((فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِن)) أي: ذهب إليهم في خفية من ضيوفه، ومن أدب المضيف أن يخفي أمره، وأن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف، حذراً من أن يكفه ويعذره؛ لأن الضيف إذا سألته: هل نعد لك الطعام أم لا؟ سوف يستحي وفي الغالب أنه يقول: لا، ويكفك عن أن تكرمه، لكن الكريم كإبراهيم عليه السلام لشدة حرصه على إكرام ضيوفه لم يستأذن الضيف، ولم يخبرهم بأنه سيعد الطعام أو كذا، وإنما ذهب خفية، وهذا من غاية الإكرام.
عن أبي عبيد قال: إنه لا يقال: راغ إلا إذا ذهب على خفية؛ لأن الروغ فيه معنى الاستخفاء، ولذلك يقال: روغ اللقمة إذا غمسها في السمن تماماً حتى رويت من السمن.
((فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ)) أي: قد أنضجه وشواه.
قوله: ((فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ)) أي: وضعه بين أيديهم.
((قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ)) أي: منه.
قال القاضي: وهو مشعر بكونه حنيذاً، يعني: مشوياً، والهمزة في قوله: (أَلا تَأْكُلُونَ) للعرض والحث على الأكل على طريقة الأدب، فقوله: ((أَلا تَأْكُلُونَ)) أفضل من أن يقول: كلوا؛ لأن في قوله: ((أَلا تَأْكُلُونَ)) حث على الأكل على طريقة الأدب وفيه تلطف بهم.
أو أنه قال هذه العبارة: ((أَلا تَأْكُلُونَ)) حينما رأى إعراضهم عن الطعام، فللإنكار عليهم قال: ((أَلا تَأْكُلُونَ)).
((فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً)) أي: أضمر الخيفة؛ لظنه أنهم أرادوا به سوءاً.
((قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)) أي: يبلغ ويكمل علمه.
((فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ)) أي: صيحة.
((فَصَكَّتْ وَجْهَهَا)) أي: لطمت وجهها تعجباً على عادة النساء في كل غريب عندهن، ((وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)) أي: عاقر ليس لي ولد.
((قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ)) أي: مثل الذي قلنا وأخبرنا به قال ربك، فإنما نخبرك عن الله فاقبلي قوله ولا تتوهمي عليه خلاف الحكمة.
((إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)).