انتهينا في تفسير سورة الذاريات إلى قول الله تبارك وتعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات:24] وقلنا من قبل: إن الضمير في قوله تعالى: ((إنه لحق)) يحتمل أن يعود إلى ما ذكر من الآيات والرزق، أو يعود إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أو يعود إلى قوله: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22] أي: أن ما توعدون من العذاب السماوي لحق، ومما يؤيده أن الله سبحانه وتعالى أتبع ذلك بأنباء وعيد المكذبين، فبدأ منها بنبأ قوم لوط عليه السلام؛ لأن قراهم واقعة في طريق كفار قريش، فكانوا يمرون في أثناء أسفارهم على قراهم قوم لوط، فبدأ الله تعالى بذكر قصة تعذيب قوم لوط، وإن كان بدأها بذكر خبر إبراهيم: ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)).
ومناسبة ذكر قصة إبراهيم هنا مع أن الهدف الأساسي لذهاب الملائكة ومرورهم بإبراهيم عليه السلام إنما كان لإهلاك قوم لوط، لكنهم قبل أن يذهبوا مروا بإبراهيم لتبشيره بالولد.
قوله: ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)) يعني: الملائكة الذين دخلوا عليه في صورة ضيف.
قال الزمخشري: ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ)) هذا فيه تفخيم للحديث، وتنبيه على أنه ليس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما عرفه بالوحي.
((الْمُكْرَمِينَ)) أي: أنهم في أنفسهم مكرمون؛ لأن الملائكة كرام، وهذا وصف ثابت للملائكة، أو أن الخليل إبراهيم عليه السلام أكرمهم بنفسه غاية الإكرام وأخدمهم امرأته ونحو ذلك مما سنذكره من ملامح كرم ضيافة إبراهيم عليه السلام لهؤلاء الملائكة.