يقول الإمام القرطبي رحمه الله تبارك وتعالى في تفسير هذه الآية الكريمة: قال العلماء: لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما: إما أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعاً أو لا.
فإن كان الأول فكلاهما باغية، فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين، ويثمر المكأفاة والموادعة.
فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقامتا على البغي صير إلى مقاتلتهما.
وأما إن كان الثاني وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب، فإن فعلت أصلح بينها وبين المبغي عليها بالقسط والعدل.
فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما، وكلتاهما عند أنفسهما محقة؛ فالواجب إزالة الشبهة بالحجة النيرة، والبراهين القاطعة على مراشد الحق، فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتباع الحق بعد وضوحه لهما، فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين، والله أعلم.
يقول أيضاً: في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين، وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قتال المؤمن كفر)، ولو كان قتال المؤمن الباغي كفراً لكان الله تعالى قد أمر بالكفر، تعالى الله عن ذلك.
قوله: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) حصل القتال، وأثبت لهما مع ذلك وصف الإيمان، ثم قال بعدها مباشرة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} فأثبت أخوة الإيمان مع وجود الاقتتال، فدل على أنه قد يقاتل المسلمون والمؤمنون إذا كانوا بغاة، فأما من احتج بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (قتال المؤمن كفر) ومنع قتال المؤمن مطلقاً فنقول: هذا غير صحيح، وإلا لو كان قتال المؤمن الباغي كفراً لكان الله تعالى قد أمر بالكفر تعالى الله عن ذلك؛ لأن الله قال: ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ))، وقد قاتل الصديق رضي الله تعالى عنه من تمسك بالإسلام، وامتنع من الزكاة، وأمر ألا يتبع مول، ولا يجهز على جريح، ولم تحل أموالهم؛ بخلاف معاملة الكفار.