والرسول يبرأ إلى الله من هؤلاء الذين يغالون في تعظيمه من إفراط في مدحه صلى الله عليه وآله وسلم، فقد مدحه الله بالعبودية في أشرف المقامات كما قلنا في مقام الدعوة، وفي مقام الإسراء، وفي مقام التحدي، فلا بد أن نميز بين ما هو حق خالص لله، وبين ما هو حق للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فلا شك أن المضطر لا يجوز له أن يفزع إلا إلى الله سبحانه وتعالى، لكن تجد بعض العوام -للأسف- يقوم وهو ثقيل الجسم، ويريد أن يقف فيقول: يا رسول الله! المدد يا رسول الله! وهذا شرك! لأن المدد لا يطلب إلا من الله عز وجل، والرسول كان يطلب المدد من الله.
فالدعاء من التوحيد، وصرفه لغير الله شرك حتى لو كان النبي عليه الصلاة والسلام، فلا يشرك مع الله ملك مقرب، ولا نبي مرسل، يقول سبحانه وتعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62] يعني: إجابة المضطرين الداعين، وكشف السوء عن المكروبين من خصائص الربوبية كخلق السماوات الأرض، وإنزال الماء، وإنبات النبات، والحجز بين البحرين، فهذه الآيات تبين كل الخصائص، كما في آيات سورة النمل قال تعالى: ((أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ)) يعني: أئله مع الله فعل ذلك؟ {تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل:63]، وقال تبارك وتعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64]، وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:17]، وللأسف نهج شوقي نهج البوصيري في قصيدة البردة، وإذا به يختمها بقوله: أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا مدحت المالكين فزدت قدراً وحين مدحتك اجتزت السحابا سألت الله في أبناء ديني فإن تكن الوسيلة لي أجابا وما للمسلمين سواك حصن إذا ما الضر مسهم ونابا ترى لو كان النبي عليه الصلاة والسلام يسمع هذا الكلام هل كان يقر هذا الشاعر على هذا الشرك؟! لا يمكن.