القرآن وقاية وعلاج وشفاء لما في الصدور، ولا حرج على الإطلاق في التداوي به، بل الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرقي نفسه يومياً قبل أن ينام بالمعوذات كما هو معلوم وثابت في السنة.
فنحن لا نناقش أبداً أن القرآن شفاء وعلاج، ولكن في نفس الوقت نقول: ليس هناك أي تصادم على الإطلاق بأن تأخذ بكل ما يتاح لك من الأسباب لجلب النفع أو دفع الضر، مادامت الأسباب شرعية، وأعظم هذه الأسباب هو الدعاء والرقية والثقة بالله سبحانه وتعالى، والتداوي بزمزم، والتداوي بالدعاء لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب التي خلق الله سبحانه وتعالى لمدافعة هذه الأمراض، وكما خلق الله العطش خلق لنا الماء الذي ندفع به العطش.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (تداووا عباد الله، فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له دواء) فلا يوجد مرض في الدنيا ليس له علاج إلا مرض واحد، وهو الهرم والشيخوخة فقط، وما عدا ذلك من كل الأمراض التي في العالم لها علاج، حتى الذي يقول الأطباء: ليس له علاج، نحن نقول: لا، تأدبوا مع الله ومع رسول الله، وهذبوا ألفاظكم، لا يوجد مرض ليس له علاج إلا الشيخوخة، وإنما نقول: لا نعلم علاجه، أو لم يكتشف علاجه.
إذاً: ما يسره الله سبحانه وتعالى من أسباب العلاج والتداوي ينبغي أن نأخذ به؛ لأن الصحة رأس مال الإنسان، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) فالصحة نعمة، وإذا حافظنا عليها فهي رأس مالنا في هذه الدنيا حتى نستطيع عبادة ربنا وأداء واجباتنا.
وينبغي أن نتأكد: هل هذه المرأة المشهورة بالمعالجة تعالج فقط بآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام؟ وهل تدعو دعاء ليس فيه شرك، وليس فيه أي مخالفة شرعية؟ هل تستعمل لغة أجنبية أو شيئاً غير مفهوم؟ فإذا حصل شيء من ذلك فهذا بلا شك يكون علامة خطيرة على أنها ربما تستعين بالشياطين فيعينونها على ذلك.
أنا لا أقطع بهذا، لكن أقول: ينبغي التثبت من كل هذا، هل هي ملتزمة بالشرع مؤمنة موحدة؟ هل هي تعالج بالقرآن فقط أم أنها تستعمل ألفاظاً غير عربية وغير مفهومة؟ فإن كان كذلك فيمكن أن يكون فيها شرك بالله سبحانه وتعالى، فينهى عنها في مثل هذه الحالة.
سنفترض أحسن الاحتمالات، لنفترض أنه ثبت لدينا أن هذه المرأة صحيحة العقيدة مستقيمة السيرة، مقيمة للصلاة، تقية صالحة، ثم إنها تعالج بالقرآن الكريم، وليس فيها أي شيء من أفعال السحرة أو تصرفات السحرة أو المنجمين والعرافين والكهنة إلى آخره، وأنها أيضاً تعمل عمليات بالطريقة الغامضة التي لا نعرف كنهها إلى الآن إلى آخره، يعني: كل شيء منها لا يخالف الشريعة، ولكن يخشى من افتتان الناس بها، فيعتقدون أنها هي التي تشفي، وليس الشفاء من الله سبحانه وتعالى، وهذا شرك صراح لو وصل الأمر إلى خشية افتتان الناس، والظاهر أمامنا الآن أنه توجد فتنة بها بلا شك.
فالذي نريد أن نقوله: لو افترضنا سلامتها من كل هذه الأشياء، وخشي منها على عقيدة العوام؛ فينبغي أن يؤخذ على يديها ويحال بينها وبين الناس، وفي أنموذج الشجرة التي ذكرت في القرآن دليل لنا على ذلك.
وإذا أدخلت بيتها، وحجرت عن الاختلاط بالناس، فما يضرها؟ لكن ما هو ردة فعل الجماهير لو أنه حيل بينهم وبين هذه المرأة؟! الغضب الشديد، والمظاهرات، أليست هذه علامة خطر؟! فهذه علامة خطيرة تدل على شدة تعلق قلوبهم بهذه المرأة، ولو أنها ماتت هذه المرأة أو حبست أو حجر عليها حتى لا تفسد عقائد الناس؛ فردة فعل الناس تعطينا مؤشر لمدى خطورة التمادي في هذا الأمر، ومدى خطورته على عقيدة الناس؛ لأنهم سيجزعون، بل قد جزعوا بالفعل، فقد: أتوا في الجريدة بصورة الناس فيها جلوس ينتظرون متى تطلع، ويدعونها، ويدعون على من قبضوا عليها إلى آخره، وهي خرجت كما هو معلوم، لكن الشاهد: أن هذا الجزع في حد ذاته مؤشر دقيق يقيس لنا مدى خطورته على افتتان الناس بها، فالمسلك الشرعي في مثل هذه الأشياء هو إزالتها، كما فعل من قبل حيث كان هناك شجرة قبل عدة سنوات في إحدى المحافظات، كل ورقة كان عليها اسم نبي من أنبياء الله سبحانه وتعالى، مكتوب عليها ذلك بقدرة الله! ثم ذهبوا ونزعوها، وأياً كانت نية الذين أخفوا هذه الشجرة فإنهم قد صادفوا مقصد الشرع؛ لأن شجرة مثل هذه الشجرة ماذا سيفعل بها المصريون؟! المصريون عندهم قابلية للغلو في هذه الأشياء، فلو أن الشجرة هذه بقيت فإنها كانت ستعبد من دون الله ولا حول قوة إلا بالله! ونحن نرى عبادة غير الله عند قبر البدوي والدسوقي، وكلها قبور وهمية، وتكلمنا من قبل عن موضوع المزارات كقبر السيدة زينب، وليس هناك قبر السيدة زينب، وكذلك قبر أبي الدرداء، وأبو الدرداء لم يدفن في الإسكندرية، كذلك جابر بن عبد الله الأنصاري لم يدفن في مصر، فأغلبها قبور وهمية، ومع ذلك يفعل بها ما يفعل مع الله سبحانه وتعالى من الاستغاثة والذبح والنذر والطواف بها والتمسح إلى آخر هذه الشركيات.
فالشاهد من هذا كله: أن مسلك دفن هذه الشجرة أو إخفائها كان مسلكاً صحيحاً، وتخيلوا لو بقيت هذه الشجرة إلى اليوم ماذا كان سيفعل بها؟! كذلك بالنسبة لهذه المرأة -والله تعالى أعلم- إذا ثبت أن بقاءها بهذه الصورة فيه إخلال بعقيدة الناس، وخدش لعقيدة التوحيد؛ ولذا الناس سيتصورون أن المرأة هذه لو ماتت أو حجزت دونهم انسد أمامهم باب الشفاء، وهذا مؤشر يوحي أنهم لا يلجئون إلى الله، وإنما تعلقت قلوبهم بها، وقد صح في الحديث: (إن الله هو الطبيب إنما أنت رفيق) قالها لمن يعالج بالطب، فالله في الحقيقة هو الطبيب المعالج سبحانه وتعالى، وهو الشافي، وفي الحديث: (اللهم اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً) فالله سبحانه وتعالى هو الذي يكتب الشفاء، ونحن نأخذ بالأسباب الطبيعية في التداوي، والذهاب إلى أهل الاختصاص، وأهل الذكر في علم الطب، أما أن نتجافى مع الطب، ونهجر الأسباب التي أمر الشرع بها من أسباب التداوي، فكما يقول علماؤنا عند دراسة قضية القضاء والقدر: يجب أن نأخذ بالأسباب ولا نتعلق بها، وهذا هو التوكل على الله سبحانه وتعالى، فتعطيل الأسباب قدح في الشريعة، والتوكل على الأسباب قدح في التوحيد.
فالذي نشعر به ونخشاه أن هناك قدحاً في توحيد هؤلاء العوام الذين يتهافتون بهذه الصورة الغريبة على هذه المرأة المعالجة، فأنا أقول: حتى لو فرض أن أحسن أحوالها أن كل الشروط موجودة ومتوافرة فيها، ولكن يخشى منها على عقيدة الناس؛ فسداً للذريعة ينبغي أن تحجب عن الناس، ويحال بينها وبين الناس، ولا يساء إليها ولا تظلم، لكن تحجب، وأسوتنا في ذلك سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه، لما كان خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه يمن الله عليه بالنصر بعد النصر مع أنه كان يقابل جيوشاً جرارة رضي الله تعالى عنه، وكان الناس يتسابقون في الخروج إلى الجيش الذي فيه خالد من شدة انبهارهم بالإنجازات العظيمة التي أنجزها سيف الله المسلول على المشركين خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فعزل عمر خالداً وهو في قمة انتصاراته، وفي أوج مجده، بمجرد أن ولي عمر رضي الله تعالى عنه الخلافة عزله، فمن أوائل ما فعل عمر في خلافته أن عزل خالد بن الوليد، وبين أنه ما عزله لعلة فيه، بل عزله لأنه رأى الناس تعلقت قلوبهم بـ خالد، وكأن خالداً هو الذي يأتي بالنصر، ولاشك أنه يحتمل أن أحداً من الناس في عهد عمر رضي الله تعالى عنه ربما يعتقد أن خالداً هو الذي يأتي بالنصر، وقس هذا الاحتمال بالنسبة للاحتمالات التي يقولها الناس الآن عن هذه المرأة: هي التي تأتي بالشفاء، كم بين أمة وأمة! كم بين جيل وجيل من البعد في فهم الإسلام وحقائق التوحيد! فإذا خشي على الصحابة وعلى المسلمين في ذلك الصدر الأول الذين كانوا خير أمة أخرجت للناس أن يقول بعضهم: إن النصر يأتي من خالد فكيف بحال أبناء هذا الزمان؟! لاشك أن الاحتمال أقرب وأقوى، والله تعالى أعلم.