قال: (فانطلق حتى أتى قريشاً، قال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا)، (فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء) بادر بالجواب سفهاؤهم الذين لا عقل لهم، وما يحسنوا إلا الحمية الجاهلية، يعني: لا نريد أن نسمع، (لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول، قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم! ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى.
قال: فهل تتهمونني؟ قالوا: لا.
قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى.
قال: فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آتيه قالوا: ائته فأتاه).
قوله: (فقال سفهاؤهم) سمى الواقدي منهم عكرمة بن أبي جهل والحكم بن أبي العاص فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول، قال: سمعته يقول: كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد ابن إسحاق: (فقال لهم بديل: إنكم تعجلون على محمد) أي: تستعجلون في الحكم، (إنكم تعجلون على محمد! إنه لم يأت لقتال، إنما جاء معتمراً؛ فاتهموه) يعني: اتهموا بديلاً؛ لأنهم كانوا يعرفون ميله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، (فقالوا: إن كان كما تقول فلا يدخلها علينا عنوة)، يعني: إن كان الأمر كما تقول في هذه الرسالة التي حملك إياها، فلا يدخلها علينا عنوة.
قوله: (فقام عروة بن مسعود) وفي بعض الروايات قالوا: (لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية أحب أن يبعث رجلاً من أصحابه إلى قريش يعلمهم بأنه إنما قدم معتمراً، فدعا عمر فاعتذر؛ لأنه لا عشيرة له بمكة، فدعا عثمان فأرسله بذلك، وأمره أن يعلم من بمكة من المؤمنين بأن الفرج قريب).
إذاً: بعث عثمان بهذه الرسالة؛ ليبلغ قريشاً أنه ما أتى لقتال، وإنما أتى للعمرة، وفي نفس الوقت ليعلم المستضعفين من المؤمنين في مكة بأن الفرج قريب، فهذا يعني أنه كان جازماً بنصر الله سبحانه وتعالى.
(فأعلمهم عثمان بذلك، فحمله أبان بن سعيد بن العاص على فرسه إلى أن قال: فقال: المسلمون هنيئاً لـ عثمان) لما ذهب عثمان إلى مكة المسلمون (هنيئاً لـ عثمان! خلص إلى البيت فطاف به دوننا)، أي: استطاع أن يدخل إلى مكة كرسول أو مبعوث، فسيذهب ويستمتع بالطواف حول الكعبة، أما نحن فقد حرمنا من ذلك، فقالوا: (هنيئاً لـ عثمان خلص إلى البيت فطاف به دوننا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ظني به ألا يطوف حتى نطوف معه)، استبعد النبي صلى الله عليه وسلم من عثمان أن يفعل هذا، وقال: ظني به أنه لا يمكن أن يطوف قبل أن أطوف أنا، (فكان كذلك، ثم جاء عروة بن مسعود).