قال الحافظ ابن كثير القرشي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها غيره، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره أنه يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: لم تثبت هذه الفضيلة لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمثلاً في عاشوراء يكفر السنة الماضية، ويوم عرفه صيامه يكفر سنة ماضية وسنة مقبلة، أما أن يقال لعبد من عباد الله: إنه قد غفر الله له على سبيل التحقيق ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فهذه من تشريف الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو أكمل البشر على الإطلاق، وسيدهم في الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم، ولما كان أطوع خلق الله لله وأكثرهم تعظيماً لأوامره ونواهيه قال حين بركت به الناقة: (حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها) وقوله: (حبسها حابس الفيل) أي: الذي حبس الفيل عن أن يدمر الكعبة المشرفة، ففيه إشارة إلى أن هذا أمر إلهي من عند الله سبحانه وتعالى، فحينما بركت الناقة -كما سيأتي إن شاء الله في القصة المطولة لصلح الحديبية- فمعنى ذلك أن هذا من عند الله، ثم قال لهم: (والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها)، فهو أطاع الله سبحانه وتعالى في هذا الفعل، وأجاب إلى الصلح الذي حصل مع المشركين، فلما أطاع الله هذه الطاعة، وانقاد لأمره قال الله له: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} * ((لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)) أي: في الدنيا والآخرة ((وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)) أي: بما يشرعه لك من الشرع العظيم، والدين القويم، ثم قال: {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح:3] أي: بسبب خضوعك لأمر الله، يرفعك الله وينصرك على أعدائك، كما جاء في الحديث الصحيح: (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد إلا رفعه الله).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: ما عاقبت أحداً عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.