بعض الناس اشتبه عليه أننا في التشهد نقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إلى آخره)، قالوا: إن قاعدة أهل المعاني أن المشبه به أعلى في الرتبة من المشبه، كما يقول: كما صليت على إبراهيم, فالمعنى أن الصلاة على إبراهيم أفضل وأعلى من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم!
و صلى الله عليه وسلم أولاً: الحديث فيه: (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)، وآل إبراهيم يدخل فيهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا في الحقيقة تشريف لإبراهيم عليه السلام، حيث إن من ذريته محمد عليه الصلاة والسلام.
ثانياً: أن المقرر في علم المعاني أن الغرض من التشريف إلحاق الأدنى بالأعلى، كما تقول: زيد كالبدر، أو إلحاق متأخر بسابق في معنى من المعاني من غير ملاحظة تفاوت بينهم، فهو إما لغرض إلحاق الأدنى بالأعلى، أو إلحاق متأخر في الرتبة بالسابق في معنى من المعاني دون اعتبار موضوع التفاوت بينهما في هذا المعنى، والصلاة الإبراهيمية من هذه القبيل؛ لأن معناها: اللهم صل على محمد كما حصلت منك الصلاة على إبراهيم, وليس هنا أخفض ولا أعلى؛ لأن الصلاة على إبراهيم منشؤها نبوته وليست أفضليته، نظير ذلك قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور:55]، فشبه استخلاف الأمة المحمدية باستخلاف اليهود قبلهم من غير نظر إلى التفاوت بين الاستخلافين، مع أن استخلاف الأمة المحمدية -وهي المشبه- أعم وأكمل من استخلاف اليهود المشبه بهم، فهي من نفس الباب.
أيضاًَ: التفضيل بين الأنبياء منوط بأمرين: أولاً: خصال الكمال التي يتحلى بها النبي.
ثانياً: المزايا التي يهبها الله تبارك وتعالى لهم.
فلا شك أن رسولنا عليه السلام اجتمع له الأمران في أعلى صورة من الكمال البشري، فيكفي أن الله سبحانه وتعالى مدحه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، وكان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، ولم يثن بهذا على نبي ولا رسول.
أيضاً: مما يدل على هذه الأفضلية المزايا الكثيرة التي وهب الله نبيه صلى الله عليه وسلم والتي أشرنا إلى أشياء منها.