من لطائف الآية ما قاله الزمخشري رحمه الله ونصه: مد النظر تطويله، وألا يكاد يرده استحساناً للمنظور إليه، وإعجاباً به، وتمنياً أن يكون له، كما فعل نظارة قارون حين قالوا: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79]، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص:80].
قال: وفيه: أن النظر غير الممدود معفو عنه، فالنهي ليس عن النظر، وإنما هو عن مد النظر، فالنظر غير الممدود معفو عنه، وذلك مثل نظر من باده الشيء بالنظر، ثم غض الطرف، يعني: مثل نظرة الفجأة، فمن نظر نظرة لا يقصدها، فرأى شيئاً ينبغي له أن يغض النظر عنه، فيغض طرفه بسرعة، ولا حرج عليه في ذلك، فالنهي هو عن مد البصر وإدامته كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ علي بن أبي طالب: (يا علي! لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) له الأولى التي نفهمها في ضوء حديث جرير في نظرة الفجأة، قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؛ فأمرني أن أصرف بصري).
إذاً: نظر الفجأة هي النظرة التي تقع بطريقة غير إرادية، وغير مقصودة، وسرعان ما يغض الطرف عن المنظور، لكن لو كانت النظرة الأولى ناشئة عن عمد ونية فلا تحل الأولى ولا الثانية، وبعض الناس عندهم مرض في قلوبهم؛ ولذلك يفهمون الأحاديث والنصوص فهماً سقيماً، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لك الأولى وليست لك الآخرة) فيظن أن له أن ينظر الأولى عامداً إلى حرم الله النظر إليه، وليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود: لك الأولى إذا كانت نظرة فجأة بغير قصد، أما بقصد فلا تحل أولى ولا أخرى.
يقول الزمخشري: ولما كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطباع، وأن من أبصر منها شيئاً أحب أن يمد إليه نظره، ويملأ منه عينيه، قيل: ((وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ)) أي: لا تفعل ما أنت معتاد له، وظالم به، ولقد شدد العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة، وعدد الفسقة، في اللباس والمراكب وغير ذلك؛ لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة، فالناظر إليها محصل لغرضهم.
وهم إنما اتخذوها لجذب ولفت أنظار الناس إليهم، فمن ينظر إليهم فكأنه يغريهم على اتخاذ هذه الأشياء؛ لأنه يحصل لهم غرضهم الذي اتخذوها من أجله، والنظر إلى صورة المنظور تؤثر في القلب، وكذلك النظر إلى الظلمة له تأثير في إمراض القلب؛ ولذلك يجتهدون الآن في تدخيل التقنية الحديثة في تضخيم الأصوات، والتحدث بطريقة معينة، والتحرك بطريقة معينة، وكل ذلك أمور مدروسة؛ لإظهار الهيبة من هؤلاء.